منوعات
أخر الأخبار

العونيون بين سفارتين… هل ينجح أسلوب باسيل متى دقّت ساعة الحسم؟

في زمن الكباش المحتدم بين القوى الدولية وكبار اللاعبين يصبح “التحايل” في مواقف اللاعبين المحليين مشروع انتحار محتّم، فيما الوضوح والحسم في المواقف يوفر فرصة غير محسومة بين النجاح أو الفشل. أما الحياد فقد يكون حينها أفضل “سترة نجاة”.

فبينما كانت الأنظار متّجهة الأسبوع الماضي إلى السّفارة الفرنسيّة في قصر الصنوبر لالتقاط أي ارتدادات إيجابية لمبادرة الرئيس إمانويل ماكرون، والى الحراك الذي رافقها محلياً على أكثر من محور بانتظار “الدخان الابيض” حكومياً، جرت زيارة بتكليف من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى السفارة السورية في اليرزة لوفد من “التيار” برئاسة نائب الرئيس الوزير السابق طارق الخطيب.

زيارة كانت لتمرّ مرور الكرام لو لم تأتِ في عزّ شد الحبال المحلي والعابر للحدود وقبل ساعات من اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب.

فهل توقيت الزيارة من باب الصدفة أم انه مقصود؟ أياً يكن الجواب، كيف تُقرأ الزيارة بعيون أصحابها وأخصامهم؟

موقف “التيار” ينبع من المصلحة الوطنية لا شبح العقوبات
“قطعاً لا ارتباط بالتوقيت بين زيارتنا الى السفارة السورية وملف تشكيل الحكومة ولا رسائل عبرها متعلّقة بالمبادرة الفرنسية والمجتمع الدولي.
وهي ضمن جولة على سفارات عربية عدة من باب الانفتاح”، جواب جازم وحازم للخطيب، الذي يقول لـ “أحوال”: “موقفنا واضح، نحن من دعاة الحوار بين الحكومتين اللبنانية والسورية. سوريا ليست دولة عدوّة بل شقيقة وبوابتنا الى المشرق العربي ورئة لبنان. اذ هناك ملفات تبحث حصراً مع دمشق من دون سواها من العواصم العربية كالنازحين والحدود والمعابر. نحن لا نرفع لواء العلاقة مع سوريا بيد مقابل العداء لفرنسا والمجتمع الدولي بيد أخرى بل لواء أطيب العلاقات مع الدول الصديقة”.
موقف ماكرون من قتال “حزب الله” في سوريا لا يعني “التيار” بحسب الخطيب الذي يشدّد على أن العلاقة مع أخ لبناني هي علاقة الوطن الواحد والشعب الواحد وليست محكومة بموقف أي فريق دولي إلا انه يذكّر أن “التيار” كان واقفاً ضد الإرهاب التكفيري ضمن الحدود اللبنانية وأن باسيل أعلن ألا علاقة لهم خارج حدود لبنان.

كما يوضح أنّه “بغضّ النّظر عن شبح العقوبات وأي تلويح بها، فالدافع الأساسي لإتخاذ أي موقف من قبل “التيار” هو المصلحة الوطنية وهي بوصلته أياً تكن الإعتبارات، لا مواقف الدول وضغوطها”.
يرفض الخطيب حديث ماكرون عن الخيانة الجماعيّة وتحميله مسؤوليّة عرقلة التشكيل للطبقة الحاكمة، معتبراً أنّ “هناك تجنّياً على رئيس الجمهورية بتحميله أي مسؤولية عن العرقلة”. يتابع: “لا احد يشكّك بدور رئيس الجمهورية الوطني وحرصه على تشكيل الحكومة ولكن صلاحياته تقلّصت بعد الطائف. فحين لم يحاور أديب أحداً وتمسّكت الأطراف بموقفها، دعا رئيس الجمهورية الى حوار فقامت القيامة عليه بأنه يتجاوز الدستور ويمسّ بالميثاقية مع العلم أن الرئيس ليس ساعي بريد والدعوة من ضمن صلاحياته. قام بدوره وحاول تقريب وجهات النظر ولكن لا صلاحيات له لفرض الحلول”.

حكومياً، يشدّد الخطيب أنّ التيار كان وسيبقى حريصاً على عدم تدخّل أحد بتشكيل الحكومة، ويردف: “هذا شأن لبناني وطني داخلي ويجب أن يحلّ بين اللبنانيين وبمعزل عن تدخّل أي دولة مع محبتنا وتقديرنا لأي دور فرنسي ايجابي تجاه لبنان”.

“التيار” يحاول اللعب على أكثر من خط!!!
نائب رئيس مجلس الوزراء السابق اللواء عصام أبو جمرا – الذي كان أحد مؤسسي “التيار” قبل أن ينفصل عنه – يعتبر أنّ “لعبة الكشتبان اليوم لا تنفع”، موضحاً عبر “أحوال” أنّ هناك: “تحايلاً في السياسة أحياناً، لكن في ظل ظروف مصيرية كالتي يعيشها لبنان يجب أن يكون القرار واضحاً. هذا ما نفتقده لدى التيار ورئيسه الأساسي ورئيسه الحالي. السّير مرّة شمالاً مرة يميناً ليس بسياسة ناجعة”.

وعن زيارة السفارة السورية، يعلّق: “من هو الوزير الخطيب هل أصبح في التيار؟! أين الحكمة بزيارة السفارة؟ سوريا بالكاد قائمة بمشاكلها فلتحل موضوع النازحين أولاً. نحن مع العلاقة من دولة لدولة مع سوريا وليس من حزب لدولة”.

فيما يعتبر مصدر “14 آذاري” أنّ “التيار الوطني الحر يحاول اللعب على اكثر من خط سياسي وإقليمي ودولي في ظل مرحلة تتطلب مواقف واضحة وحاسمة بعيداً عن أي التباس وضبابية، وهو يسعى جاهداً للتوفيق بين كل هذه الخطوط على رغم صعوبة ذلك”.
في هذا السياق، يحدد المصدر عبر “أحوال” ثلاثة خطوط: خط فرنسي بعمق أميركي، خط حزب الله – طهران وخط يبدأ بدمشق ولا ينتهي في موسكو.

ويوضح المصدر: “يعتمد رئيس “التيار” النائب جبران باسيل على الخطّ الفرنسي بعمقه الأميركي في محاولة لتحسين صورته عبر الإعلان أنّه مؤيّد للمبادرة الفرنسية والإيحاء أنّه حريص على تطبيقها، علماً أنّ الجميع يعلم أنّ باسيل كان مصرّاً على تسمية الوزراء كي يكون شريكاً على طاولة مجلس الوزراء. وهذا المسار، أي تسمية الأطراف السياسية للوزراء، كان سيجعل من حكومة أديب شبيهة لحكومة دياب”.

يضيف: “يسعى باسيل بالشكل إلى توثيق علاقته بباريس من أجل أن يبعد عنه العقوبات وأن يربط مع المرحلة المقبلة في ظل الهندسة الاميركية للمنطقة اليوم، أكان على مستوى السلام أو غيره. كذلك بعد الحظر والمقاطعة الدولية والعربية للعهد، يأمل ان يعود الى المسرح الدولي من البوابة الفرنسية التي تتيح له إتجاهين الرياض والدول الخليجية من جهة وواشنطن من جهة اخرى”.

من هذا المنطلق، يعتبر المصدر الـ “14 آذاري” أنّ “مواقف باسيل المتباينة عن حزب الله – ومنها على سبيل المثال تلك المتعلقة بزيارة هنية وبعودة الحزب من سوريا وبترسيم الحدود – هي لتوجيه رسائل الى الغرب بأنّه على استعداد لانعطافة سياسية تخدم إستراتيجيته. إلا أنّ هذا التّباين سيبقى شكلاً ولن يذهب الى ترجمته عملياً”.

أما الخط الثاني الذي يعمل عليه باسيل بحسب المصدر، فهو خط حزب الله -طهران لإدراكه بأن “هذا الخط يتمتع بوجود ونفوذ مباشر وفائض قوة جراء إمتلاك السلاح. إنه يشكل ضمانة بالنسبة له في مواجهة القوى السياسية الاخرى في لبنان، فهو بالعمق والجوهر ما زال متحالفاً معه ولا يريد أن يتناقض معه خشية على وضعيته”.

بينما الخط الثالث، وفق المصدر، فقد اشارت إليه زيارة وفد “التيار” الى السفارة السورية ويضيف: “الزيارة حكماً ليست من باب الصدفة بل سياسية بامتياز خصوصاً في ظل الكلام الوضح بأن نظام الأسد من أجل أن يحافظ على بقائه ويحسّن وضعيته السياسية يتجه في المرحلة المقبلة وتحديداً بعد الإنتخابات الأميركية الى ركوب قطار السلام من ضمن الهندسة التي تشهدها المنطقة. يدرك باسيل أن هذا الخط الذي يبدأ بدمشق ولا ينتهي في موسكو على رغم تناغمه مع الخط الإيراني ولكنه يتمايز عنه في نقاط عدة في طليعتها مسعى نظام الأسد الوجودي للمحافظة على وضعيته وهذا الامر يستدعي الانفتاح على الغرب وفق شروط هذا الاخير. طبعاً موسكو لن تعارض هذا التوجه مع الاشارة إلى أنّ التلاقي الروسي_الإيراني لا ينفي التعارض”.

ويختم المصدر الـ “14 آذاري”: “باسيل يعمل على هذه الخطوط الثلاثة من أجل بقائه كلاعب أساسي على السّاحة المحلية وإعادة استنهاض وضعه. والجميع يدرك أنّ اللعب على الخطوط في مراحل مفصليّة يؤدّي بأصحابه إلى نهاية تعيسة”.

بعد تعثّر مسيرة العهد والتداعيات الحتمية لذلك على تيار الرئيس، يسعى باسيل الى تعزيز وضعيته عبر التمايز عن الجميع والربط معهم في آن وعبر توسيع مروحة حركته السياسية والسير بين الالغام المتكاثرة في المنطقة. ولكن هل سينجح أسلوبه متى دقّت ساعة الحسم أم سيتخلّى عنه في الدقائق الاخيرة ويتلقف طرح البطريرك الماروني للحياد كحبل خلاص له؟

جورج العاقوري

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى