منوعات

بالأرقام: تجارب زراعية تقاوم الفقر… ابتداء من “الحاكورة”

خلال السنوات الأخيرة الماضية، تحوّلت الزراعة إلى الشغل الشاغل لأبناء القرى الجنوبية، لا سيّما الحدودية منها. بعد سنوات طويلة من الإهمال المتراكم للأراضي الزراعية،  بدأ منذ الاجتياح الاسرائيلي، الذي أدّى إلى هجرة ونزوح معظم الأهالي والمزارعين.

وان كانت الأزمة الاقتصادية المستجدة هي السبب الرئيس لهذا التحوّل، بيد أنّ ما ساعد على ذلك هو سياسة جديدة اتبعتها البلديات واتحادات البلديات، وفق خطة، بدت منظمّة، على خلاف ما يجري عادة في لبنان.. ويبدو أن تأسيس اتحادات البلديات في المنطقة الحدودية كان دافعًا لانطلاقة مشاريع تنموية منظّمة، بدءًا من العام 2006، لتأخذ الزراعة منحىً تصاعديًا، لا سيما بعد الانتهاء من عملية إعادة الإعمار في العام 2011.

بالأرقام

فعلى سبيل المثال كان عدد المستفيدين من الأنشطة الزراعية في اتحاد بلديات جبل عامل، الذي يضمّ 16 بلدة حدودية، في قضاء مرجعيون، 1613 مستفيد في العام 2011، ووصل في العام 2019 إلى 7570 مستفيد.. ومن اللاّفت أن الاهتمام بالزراعة في هذه المنطقة انعكس ايجابًا على عدد العاملين في تربية المواشي، الذي ازداد من 93 عاملًا في العام 2013 إلى 205 عاملًا في العام 2020. أمّا عدد رؤوس الماشية فقد ازداد من 5340 رأس في العام 2012 إلى 13500 رأس في العام 2020.  علمًا أنّ  قرى الاتحاد  صنّفت في المرتبة الرابعة في أسفل سلّم خارطة أحوال المعيشة في لبنان، وعدد منها اعتبر من بين جيوب الفقر الثمانين التي حدّدتها استراتيجية التنمية الاجتماعية في لبنان عام 2005.

توزيع الشتول والحبوب على الأهالي، ساهم في تزايد أعداد المزارعين بشكل ملحوظ في القرى والبلدات الجنوبية، فكان هذا “العامل الايجابي الأبرز الذي ساهم لاحقًا في إعادة إحياء الأراضي الزراعية المتروكة وتأمين الحد الأدنى الاكتفاء الذاتي”، بحسب رئيس مركز الإرشاد الزراعي في مرجعيون فؤاد ونسة، الذي بيّن أن “تشجيع المزارعين يستدعي إعادة تشغيل المختبر الزراعي المركزي في بلدة الخيام، الذي تم تجهيزه بأحدث الأجهزة اللاّزمة لفحص التربة والمنتجات الزراعية والحيوانية، لا سيما زيت الزيتون والعسل”، لافتًا إلى أنّ “إعادة تشغيل هذا المختبر لا تتطلب سوى تأمين المواد الأساسية الموجودة أصلًا في وزارة الزراعة”. ويعتبر ذلك جزء من الحلّ لمواجهة الأمراض التي تتعرض لها المزروعات، والناجمة عن نقص في الأسمدة الطبيعية الموجودة في الأراضي الزراعية، اضافة إلى التلوّث.

 

“الحاكورة” المنزلية

وضمن الخطة الزراعية لاتحاد بلديات جبل عامل ودعم المزارعين في القرى الحدودية، أطلق الاتحاد عام 2018 مشروع الزراعة البيتية، والذي يسمّى بـ”الحاكورة المنزلية”، وذلك في جميع قرى وبلدات الاتحاد، وهو عبارة عن توزيع عشرات الآلاف من الشتول الموسمية، بسعر رمزي من مختلف أنواع الخضار الصيفية، وهي شتول مؤصلة وذات انتاجية عالية مثل البندورة، الخيار، البطيخ، الشمام، اللوبية، الفاصوليا، القثاء، الباذنجان، الفليفلة بأنواعها، وغيرها من الشتول المتنوعة.

الفكرة كانت في إطار مشاريع التنمية المحلية التي ينفذها اتحادي بلديات بنت جبيل وجبل عامل في أكثر من مجال. ومشروع الحاكورة  ذات فائدة كبيرة عمليًا نظرًا إلى كلفته المالية البسيطة، ونتائجه الاقتصادية والبيئية والصحية السريعة، لا سيّما بعدما تراجعت الزراعات المنزلية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في ظل تقلّص المساحات الزراعية.

يذكر ان من اهداف المشروع تحقيق الاكتفاء الذاتي، واعادة  ثقافة زراعة المحيط المنزلي، وتوفير دعم اقتصادي يسهم في تخفيف المصاريف عن كاهل الأهالي.

توزيع الغراس

وفي عام 2019 عمد اتحاد جبل عامل بالتعاون مع جهاد البناء إلى غرس نحو 700 ألف نبتة بينها شتول ونصوب تصلح للحاكورة الصيفية، ونتيجة لتشجيع الأهالي على الزراعة البيتية ارتفع عدد المزارعين بشكل كبير جدًا هذا العام، فعلى سبيل المثال، عمد المركز الزراعي في بلدة الطيري، التابع لجهاد البناء، إلى إلى توزيع 300 ألف شتلة، خلال أسبوع واحد، ما يعني أن “جميع المقيمين، الذين يملكون أراضٍ صغيرة، شاركوا في زراعة أراضيهم بالشتول لمواجهة الأعباء المعيشية المستجدة”.

وفي العام الماضي عمد اتحاد بلديات جبل عامل بالتعاون مع مؤسسة جهاد البناء إلى توزيع ما يقارب نصف مليون شتلة زراعية للحاكورة المنزلية، استفاد منها ما يقارب 4800 عائلة، بحسب رئيس الاتحاد علي طاهر ياسين الذي بيّن أنّ “المزارعين هذا العام أصبحوا قادرين على استنبات الشتول بأنفسهم”.

في منطقة “سردة” الملاصقة لنهر الوزاني انتشرت في الأعوام الخمسة الأخيرة زراعة اللّوزيات والخضار، إضافة إلى الحبوب، فقد عمد الأهالي ورجال الأعمال إلى زراعة آلاف الدونمات من الأراضي، بينها حوالي 6000 دونم من اللوزيّات، و15000 دونم من أشجار العنب، ما أدّى إلى انتشار هذه المنتجات في الأسواق، وساهم في تأمين عشرات فرص العمل، لكن بحسب ونسة “تحتاج هذه المنطقة إلى تأمين مرصد متخصّص للطقس لتوجيه المزارعين إلى أوقات العمليات الزراعية المطلوبة من تشحيل وتسميد وغيرها، وهذا يحدّ من انتشار الأمراض الزراعية”.

أما عملية تسويق المنتجات تحتاج إلى “سوق خضار مركزي في المنطقة، مع ضرورة تأمين البرّادات اللاّزمة لحفظ المنتجات لفترة طويلة، والتي تمنع استغلال التجار، الذين باتوا يستغلّون هذا النقص لشراء المنتجات بأسعار متدنيّة جدًا وبيعها بأسعار مرتفعة في أسواق أخرى”. ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية الأخيرة، عمد صغار المزارعين إلى زراعة نحو 70% من الأراضي المهملة، بتوجيه ودعم من وزارة الزراعة والبلديات، وقد عمد اتحاد بلديات جبل عامل وبلدية الخيام إلى انشاء مشتل زراعي للأشجار المثمرة، يؤمن الشتول ( حوالي 10 آلاف شتلة سنويًا) إلى المزارعين بأسعار رمزية. أمّا المشتل الأكبر المستحدث فهو مشتل تعاونية الخيام في ابل السقي الذي ينتج حوالي 100 ألف شتلة من الأشجار المثمرة والحرجية، والتي توزع إلى البلديات على نفقة وزارة الزراعة.

 

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى