مجتمع
أخر الأخبار

“إزرع” مبادرة مدنية في مواجهة “جائحتين”… كورونا وغلاء المعيشة!

شعوب العالم – أسرى الحجر المنزلي الطوعي والإلزامي، فضلا عما فرضه هذا الفيروس من شروط وعادات، منها التباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات والمعقّمات والسلام عن بعد، وغيرها من شروط بدّلت الكثير من العادات والتقاليد والأعراف، حتى أن مناسباتنا العامة فقدت الكثير من دفء العلاقات الاجتماعية، وسط تدابير ضرورية ومُلزمة لتجنب الأسوأ على صعيد هذا الفيروس الوافد الذي غيّر وجه العالم، وأظهر كيف بدت مجتمعاتنا الإنسانية ضعيفة وهشة حيال كائن لا يُرى بالعين المجردة، لكنّه، ومع ذلك فرض على دول العالم إيقاع حياة جديدة.

ومع استمرار الجائحة، اقتحمت حياتنا “جائحة” أكبر متمثلة بتردّي أحوال اللبنانيين جراء الأزمة الاقتصادية والمعيشية، هذه الأزمة التي وإن ظهرت نتائجها قبل ظهور الفيروس، إلا أنها اشتدت وتمكنت بعده، وكأن على اللبنانيين أن “يقاتلوا” على جبهتين “جائحة كورونا” بما فرضت من واقع جديد من جهة وجائحة الفقر وغلاء المعيشة من جهة ثانية.

فورة زراعية

وحيال هذا الخوف الذي أصبح واقعًا مسّ حياتنا، اتجهت المبادرات اللّبنانية المدنية نحو الزراعة لسد بعض الحاجات اليومية، في محاولة لتأمين بعض من اكتفاء ذاتي يسد فراغًا رسميًا تزامنًا مع غياب الرؤى على مستوى السياسات الحكومية التي لم تشكل في معظم استراتيجياتها وخططها سوى حقن مخدّرة، وسط توجهات غير قابلة بمعظمها للتطبيق على الأرض كما جرت العادة وفي أفضل الأحوال قدّمت خططًا بدائية أو منتقصة.

وباتت الزراعة اليوم “التراند” الأكبر خلال الأشهر القليلة الماضية بعد أن استقطب إلى جانب المزارعين المواطنين العاديين شخصيات فنية وإعلامية ووجوها سياسية وحزبية ومؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لم تشكل هذه الظاهرة ثورة زراعية بما للكلمة من معنى، انّما مجرّد فورة تزامنت مع الحجر المنزلي وتدنّي قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار ما أدّى إلى ارتفاع أسعار المنتوجات الزراعية يقابلها تدنٍّ في القدرة الشرائية للمواطنين.

 

زراعة أسطح المنازل والشرفات

لم يعرقل توجه اللّبنانيين نحو الاكتفاء الذاتي زراعيًا غياب الأراضي والحدائق، ففي بيروت والمدن على سبيل المثال، زُرعت أسطح المنازل واستخدمت الأنابيب على الشرفات ولم يوفّر المواطنون حتى الغالونات الفارغة والأوعية البلاستيكية لغرس الخضار التي اعتاد أهالي المدن شراءها، فاستغلّ الكثير من المواطنين كل شبر متوفر لديهم للاستفادة منه للإنتاج والتوفير، فضلًا عن أنّ الزراعات كانت بأغلبها عضوية وخالية من الأسمدة.

وبالطبع لم يكن معظم من زرعوا يملكون الخبرة، إلّا أنّ التفاعل عبر صفحات التواصل الاجتماعي أفسح لهؤلاء المجال للاستفادة من رأي الخبراء وأصحاب التجارب، ومن هذه الصفحات مبادرة خلّاقة تميّزت منذ إطلاقها وهي صفحة “إزرع IZRAA” على موقع فيسبوك.

 

مخايل: هدفنا الإرشاد الزراعي

المهندس الزراعي حنا مخايل أحد مؤسسي “مبادرة إزرع” قال لـ”أحوال”: “ظهرت صفحة (إزرع IZRAA) على مواقع التواصل الاجتماعي وفيسبوك، وتحديدًا في 23 كانون الثاني (يناير) 2020، حتى تاريخ اليوم أصبح عدد متابعي هذه الصفحة 66 ألفا”، لافتًا إلى أن “هذه الصفحة تأسّست بالتعاون بيني وبين الزملاء سليم زوين، نديم أبو سمرا، ريمون نهرا، نيكولا دواليبي وتانيا فورد”، منوّهاً إلى “أننا عندما بدأنا كان هدفنا الإرشاد الزراعي ومساعدة المزارعين”.

وتابع مخايل: “خلال الفترة الأولى من الأزمة الاقتصادية، ومع الفورة الزراعية نشطت صفحة إزرع تفاعليًا واستقطابًا للمواطنين، خصوصًا أنّ الصفحة منذ البداية كانت واضحة الهدف وعملية ولا تتعاطى السياسة الأمر الذي ساهم أيضًا في  استقطاب الناس على نطاق واسع”.

 

تفاعل أكبر ودورة كاملة

وأضاف مخايل: “قمنا بداية بتقديم الارشادات عبر المنشورات والفيديوهات، وبالمقابل بدأ متابعو الصفحة بإرسال منشوراتهم الهادفة والفعالة التي جذبت كل مهتم بالزراعة وكل من هو بحاجة لنصيحة أو مساعدة في هذا المجال”.

وأردف: “كما تعلمون كلّ شيء في الحياة له دورته ولم يتوقف اهتمام الصفحة عند حدود الزراعة كهدف أساس، فبادرنا إلى إعداد منشورات تختص بمحصول الزراعة والمونة تحديدا”.

واعتبر مخايل أنّ “المونة تأتي أيضًا ضمن دورة الزراعة الأساسية، وبالتالي شكلت الصفحة أيضًا حلقة تدور في فلك الزرع والإنتاج وطريقة استهلاكه وحفظه”، لافتاً إلى أنه “بالرغم من النجاح الذي حققته (صفحة إزرع) إلّا أنّها بالنسبة له هي الآن قيد التجربة هذه السنة والمراقبة بهدف تنظيم أكبر في السنوات المقبلة”.

 

الصناعة الغذائية

لا يغيب عن بال أحد أنّ المطبخ مرتبط بالأرض، وأنّ كميات كبيرة من الإنتاج الزراعي إن لم تستخدم في الطهي لا بدّ من أن تتحوّل لمونة ومصنوعات غذائية، وهذا ما حدث بالفعل، ذلك أن “صفحة إزرع” تحوّلت بعد مرحلة الزراعة لمرحلة الصناعة الغذائية، وبدأ نوع المنشورات يلحظ تغييرًا كبيرًا لجهة الاستفادة من طرق حفظ الإنتاج الزراعي لتخزينه في الشتاء والفصول الأخرى، واللّافت للانتباه حجم التفاعل الذي ازداد واستقطب فئة جديدة من الناس تعمل على تخزين منتجاتها الزراعية وتموينها وتصنيعها.

فتحوّل الإنتاج الزراعي بفضل أصحاب التجارب والخبرة إلى المربيات، المكدوس، رب البندورة والرمان، تجفيف العنب والبندورة والملوخية والنعناع وكثير من الأصناف الزراعية، حفظ الخضروات، صناعة المايونيز والطحينة، صناعة الألبان والأجبان والكشك وغيرها من خيرات الأرض التي اعتبرها الناس حاجة ضرورية وملحة، قد تسدّ بعضًا من متطلباتهم وتغنيهم عن شرائها من الأسواق في ظل تدنّي القدرة الشرائية، وإن كانت لا تسدّ فراغ الحكومات وعجزها وغياب الدولة عن دعم المواطن وحماية أمنه الغذائي الذي بات مهدّدًا.

إذن تحوّلت “صفحة إزرع” إلى منصّة تفاعلية يتم عبرها تبادل الخبرات والتجارب والنصائح والارشادات، وأيضا منصة لبيع المنتجات وتصريفها.

فاديا جمعة

فاديا جمعة

صحافية وناشطة بيئية واجتماعية لبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى