سياسة
أخر الأخبار

تكنو-سياسية.. هل يلقى طرح بري-ميقاتي توافق الأفرقاء؟

في لبنان يتمّ اختراع أي شيء لترويض التطلعات ونيل رضى أهواء السياسيين، فتتطاير الأفكار ويتم العمل عليها فتجهض ويتمّ اختراع أخرى، وهكذا دواليك يجيب السياسيون اللّبنانيون الرقص على أوجاع الناس فيتقاتلون على تشكيل حكومة، وإقرار قوانين وتوظيفات وتحقيقات دون أدنى اعتبار لمعنى القيادة الوطنية.

جرّب ساسة لبنان كل أنواع الرقص على أشلاء الوطن برقصات الفالس والتانغو والبلياتشو والزوربا، لكن بعد الإنهاك تبقى الدبكة اللّبنانية هي الملجأ الأخير. الوقوف يداً بيد وجنباً إلى جنب لنفض رماد الحرائق والانفجارات ودحر الإرهاب الكامن عند كل مرحلة مفصلية.

بعد فشل الجولة الأولى من المبادرة الفرنسية ومشاركة الجميع في إجهاضها حتى المبادر نفسه، وسبات الاتصالات السياسية التي تنشد الحلول الجديدة، يرمي بعض الفرقاء عنواناً جديداً للحل وهو تشكيل حكومة تكنو-سياسية” ترضي المكونات اللّبنانية وتحاكي الطروحات الغربية التي تتطلع إلى فريق حكومي ينفذ الإصلاحات المطلوبة قبل تدفق أموال المساعدات.

 

تكنو-سياسية

من الخيارات المطروحة، وهي ليست مستجدة حقاً، تشكيل حكومة قد يرأسها سعد الحريري أو أي شخصية أخرى، إلى جانبه فريق اقتصادي وأن تكون حكومة تكنو-سياسية من 20 وزيراً تضم أربعة عشر وزيراً اختصاصياً وستة وزراء دولة سياسيين.

هذا الطرح، الذي أطلّ به الرئيس السابق نجيب ميقاتي، يلاقي طرح سابق لرئيس مجلس النواب نبيه بري قبل تكليف حكومة حسان دياب المستقيلة مضمونه تشكيل حكومة طوارئ إنقاذية تكون تكنو-سياسية، تدمج بين الأحزاب والمستقلين شرط توافر الاختصاص لدى الوزراء كما يقول النائب قاسم هاشم، ورئيس الجمهورية ميشال عون كان مؤيداً لعنوان الحكومة لكن تولي الحريري رئاستها لقي اعتراضاً من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وتطرح بعض الأطراف أن تكون حكومة اقتصادية دون صلاحية تقرير سياسة خارجية كي لا تستطيع الذهاب إلى السلام أو أي مفاوضات مع إسرائيل دون توافق وطني يحفظ الحقوق اللّبنانية.

قبول ورضى القوى السياسية أن تكون الحكومة المقبلة تكنو-سياسية تراعي التوازنات السياسية والنيابية والتوافق ‏الداخلي تضم اختصاصيين من أصحاب الكفاءة، هو النداء الأخير وفق ما يفيد مصدر نيابي لـ”أحوال” قبل الوصول إلى الانهيار الكبير!.  وهكذا لا يتم استثناء أحد فتسمي الكتل النيابية بالتوافق مع ‏الرئيس المكلف من غير المنتمين إلى الاحزاب السياسية.

الحكومة لها مهمات محدّدة تندرج تحت عناوين “حكومة المهمة” التي أطلقتها المبادرة الفرنسية، وضمن رؤية متجانسة من أعضائها للعمل على وضع حلول للأزمات الاقتصادية والمالية وإقرار الإصلاحات الأساسية التي شكا الجميع عدم القدرة على إنجازها في الحكومات السابقة تمهيداً لإعادة إحياء مؤتمر “سيدر” بدعم فرنسي ‏يرفد الاقتصاد بمليارات الدولارات، وبالتالي تستكمل الحكومة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للإفراج ‏عن المساعدات الموعودة للبنان.

مهمة الحكومة التكنو-سياسية التي لا يجب أن يتجاوز عمرها الستة أشهر ثلاث ستكون:

أوّلاً، تنفيذ الإجراءات الإصلاحية السريعة، واستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ الوضع الاقتصادي. ثانياً، إعداد مشروع قانون انتخابي جديد على أساس لبنان دائرة واحدة. ثالثاً، الإشراف على الانتخابات النيابية المُبكرة.

 

تجارب تاريخية

التكنو-سياسية مصطلح يطلق على الحكومات التي هي خليط بين التكنوقراط أي الاختصاصيين والسياسيين، أي أن يتم اختيار وفقاً للتخصص والكفاءة لا الانتماء الحزبي أو الأيديولوجي. برز مفهوم وزارات التكنوقراط في أعقاب الحرب العالمية الأولى في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وشهدت رواجاً في فترة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، ومسؤوليتها اتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العامة دون حسابات سياسية أو فئوية.

لكن مع وجود أحزاب وطوائف متعددة في لبنان تمَّ ابتكار فكرة الدمج بين التقني والسياسي. وفي تاريخ الحكومات اللّبنانية ثمة تجارب وزارية لم يكتب لها العيش طويلاً تحت مسمى “تكنو سياسية”.

وتشكلت أوّل حكومة تكنو – سياسية في لبنان من 8 وزراء فقط عام 1960، وكانت الحكومة الثلاثين بعد الاستقلال، الثالثة في عهد الرئيس فؤاد شهاب، ترأسها يومها أحمد الداعوق. شكلت الحكومة بموجب المرسوم رقم 4256 بتاريخ 14 أيار 1960، لكنّها لم تمثل أمام المجلس النيابي بسبب قرار حل البرلمان من أجل إجراء انتخابات نيابية جديدة، فاستقالت في 1 آب 1960 بعد إجراء الانتخابات.

أما الحكومة الثانية والأخيرة من نوعها، فكانت في عام 1973، وهي الحكومة الثامنة والأربعين بعد الاستقلال، والرابعة في عهد الرئيس سليمان فرنجية، ترأسها تقي الدين الصلح بموجب المرسوم رقم 5766 بتاريخ 8 تموز 1973، ونالت الثقة بموجب 78 صوتاً ضد صوت وامتناع 2، لكن لم يكتب لها الحياة سوى ثلاثة أشهر فاستقالت في 31 تشرين الأول 1974.

هل يأخذ خيار هذا الصنف التقني من الحكومات مساراً جدّياً لإحياء الاتصالات اللّبنانية اللبنانية ويسجل أي خرق جدي في المراوحة الحكومية، أم يطوي العام 2020 أيامه دون تأليف حكومة ويترك اللبنانيون أم تحديات العيش مع الغلاء والفقر والوباء والثرثرات غير المجدية؟!.

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى