صحة

صحّة اللبنانيين النفسيّة في خطر… حلول لمواجهة الانهيار المقبل

د. ريتا شباب لـ"أحوال": الحل يكمن في التأقلم وتغيير نمط الحياة

عندما ترفع الدولة الدعم عن مواطنيها، يعني أنّها تركته في مهب الريح يصارع من أجل لقمة عيشه وحياته ومأواه. فما هي الخيارات المتروكة لدى اللبناني الذي بات يعيش في عراء دولة بلا سقف وبلا طموح وبلا أهداف؟

الهموم كثيرة واللبناني متروك لحال سبيله وصحّته النفسيّة في خطر، وهو ينتظر أن يتداعى جدار الهيكل فوق رأسه، وانتظار المصيبة أصعب من حدوثها، فما هي النّصائح التي تقدّمها أخصّائيّة علم النفس د. ريتا شباب  للحفاظ على صحّتنا النفسيّة في وجه الانهيار المقبل؟

تقول د. ريتا شباب في حديثها إلى “أحوال”، إنّ “كلمة الدعم على الصعيد النفسي محورية في حياة الأنسان. الدعم هو شعور بالأمان والحماية والاطمئنان. كل انسان يحتاج دعماً وسنداً حتى يحمي نفسه من الأذى ويكون قادراً على التطور والتقدم والعيش بسلام. وهذا الكلام ليس شعارات أو كلاماً نظرياً بل هو حقيقة علمية. لذا عندما نرفع الدعم يعني الحرمان بات حاضراً والشعور بالطمأنينة لم يعد موجوداً.”.

وانعكاسات رفع الدعم تقول د. ريتا تختلف من فرد الى أخر، كل حسب إمكاناته وقدراته. وكلما كان هذا الفرد محصناً نفسياً ولديه شعور أكبر بالأمان كلما استطاع أن يتخطى الصعوبات. أما ذاك الذي ليس عنده أية ركيزة وهو أساساً مضطرب ولا يوجد عنده شعور بالأمان سيكون الاختلال لديه قوياً.

الدعم أذن أساسي في حياة الإنسان، فهو منذ  بداية  الخلق  يجسد غريزة الحياة من تأمين طعام ومشرب ومبيت وبالتالي هو أولوية الأولويات. وعندما تكون هذه الحاجات مشبعة ينطلق الأنسان نحو الأبعد من اختراعات وأبداع وطموح.

أما عندما يضرب هذا الدعم هنا يكمن الويل تقول د. ريتا فحينها “سيتربص بنا القلق والخوف والألم وهذا سيحول دون العيش والتقدم والعطاء”.

ولا تميز الدكتورة ريتا بين الدعم المادي والمعنوي، برأيها الاثنان متداخلان بشكلٍ كبير، ويشكّلان دعامة واحدة في ارتقاء وطمأنينة الفرد.

ولأننا في لبنان نُضرب في لقمة عيشنا ومستقبل أولادنا وتأمين أهم حاجاتنا الضرورية تقول د. ريتا ” نحن نواجه الموت والخوف. لكن يمكن تخطي ذلك لأننا نعتمد على أنفسنا أساساً ولا ننتظر الكثير من دولتنا مقارنة بالشعوب الأخرى حيث الدولة تأخذ بيد مواطنيها وتسهل أمورهم. وهذا الواقع الذي نشأنا عليه يساعدنا أكثر من سوانا في التفتيش عن حلول”.

حلول للتخفيف من الواقع الصعب

تقترح د. ريتا حلولاً  للتخفيف من هذا الواقع الصعب الذي يعيشه اللبناني. و”أهم هذه الحلول ترتيب أولوياتنا، الاستغناء عن الأقل ضرورة والتركيز على الضروري وهذا ما بدأ يفعله معظم اللبنانيين أساساً. والأولويات هنا تختلف من شخص الى أخر ومن  اختلاف الإمكانات بين هذا أو ذاك. وعلينا أن نركز في استهلاكنا على الشيء الذي لدينا منه الكثير، ونقلّل من ذاك الذي نملك منه القليل. والمقصود هنا ليس فقط الأمور المادية بل أيضا المعنوية والنفسية. لذا علينا أن نفتش عن الطاقة التي في داخلنا ونواجه من خلالها. المخزون العاطفي والمخزون المعنوي والثقة بالنفس هذه كلها مؤنة تشبه المؤنة التي نخزنها في بيوتنا ويمكن أن تسعفنا في الوضع الذي نمر به اليوم”.

وتركز د. ريتا في حديثها حول مواجهة رفع الدعم على “عدم الإفراط في الاستهلاك، لأنّه كلّما استهلكنا مخزوننا المادي أو النفسي أو الطاقة التي لدينا كلما زاد لدينا الشعور بالخوف والخطر. ونحن اليوم بحاجة أن نقنن ونرشد استهلاكنا”.

النقطة الأهم في تكون بترك عزة النفس جانباً لنفضفض عن مشاكلنا ووجعنا وحاجاتنا. فالتعبير اليوم يساهم في الصمود. تقول د. ريتا ” ليس عيباً أن نتبادل مع من حولنا الهموم، دوماً مشاركة الجماعة في المشكلة تجعلها اسهل وتخفف من الألم”.

ومن سبل المواجهة  أيضاً تقول د. ريتا إنّ الحل يكمن في التأقلم “فكما تأقلمنا مع جائحة كورونا والتزمنا التباعد وغيرنا من نمط حياتنا، علينا أن نتأقلم مع الوضع الاقتصادي  الراهن، ونركّز على الأولويات، ونستغني عن كل ما يمكن الاستغناء عنه، فهذا ليس تنظيراً أو مجرد كلام بل هو حقيقة لأنه لا يوجد أمامنا أي حل أخر”.

لعدم التفكير في الخسائر

وتشدّد د. ريتا على التسلّح بالمرونة النفسيّة وشحذ الهمّة التي تجعل كل منا قادراً على النهوض من جديد.، مع ضرورة عدم التركيز على ما خسرته حتى لو كان مالاً، بل علينا النظر الى دواخلنا والبحث عن مكامن الغنى الذي قد يكون حباً أو مرحاً أو ثقة بالنفس لأن كل هذه الامور تعطي قوة.

التركيز على الشأن العاطفي في مثل هذه الظروف مهم جداً، والاهتمام بالمحبة لأنها تقينا من الانعزال والوحدة والوجع والقلق والكأبة، خاصة وأن مثل هذه المشاعر قد تزداد مع صعوبة الأوضاع وهذا ليس وقت انعزال وبكاء وحسرة بل وقت صمود وهذا لا يكون الا من خلال التماهي مع الجماعة وطلب المساعدة دون ان يصيبنا الشعور بالعيب.

وتقول الدكتورة ريتا بأن “مجتمعنا برهن بأنّه قادر على التكافل بشكل ممتاز وهذا ما ظهر بعد حادثة 4 أب وتفجير المرفأ. حيث ظهر أن العلاقات الاجتماعية أمر جوهري في مجتمعنا ونحن قادرون على الالتفاف فيما بيننا ومساعدة بعضنا البعض”.

الخوف من ازدياد الجريمة

أمّا عن إمكانية ازدياد الجريمة والسرقات نتيجة الفقر والضياع والحاجة. تقول الدكتورة ريتا بأن “من يقوم بالجريمة هو شخص لديه دوافع مسبقة ونائمة ومكبوتة وينتظر الجو المناسب حتى يفجر ما عنده من عدوانية. ودورنا اليوم أن لا ندع هذا الانسان الذي هو ابن بيئتنا ومجتمعنا وقريتنا الانجرار الى مثل هذه الافعال. بل علينا أن نحضنه حتى لا يشذ”.

وعن الخلافات الكثيرة التي تنشب وسط بعض العائلات نتيجة كورونا ونتيجة أسباب أخرى سواء اقتصادية او مادية. فتقول “هذا الوقت ليس وقت شجار أو خلافات بل وقت تكافل بين بعضنا البعض، حتى لو كان هناك خلافات يجب ان نضعها جانباً ونترافق ونتحد كعائلة ونتحمل بعضنا ونتقاسم مع بعضنا كل ما هو مادي ومعنوي وعاطفي  حتى تمر هذه الاوقات الصعبة ونمرر هذا الخطر الكبير وبعدها نتفرغ لحل المشاكل الاخرى الاقل أهمية”.

وتحذّر د. ريتا من الإحساس بأنّنا ضحية تقول “هذا الأمر سيزيد من الأسى والوجع. ما ينفع هو تفعيل أفكارنا النائمة وتنشيط قدراتنا وشحذ همتنا. وسنجد في هذه المرحلة من يستذكر أيام الحرب الماضية والأوقات الصعبة التي مرّ بها فلا ضرر من مثل هذا التذكر لأن المشاركة في الألم يساعد على الشفاء وعلى النهوض”.

وعن الاتّجاه نحو تناول عقاقير الأعصاب والاكتئاب تقول “هذه الحبّة يمكن أن نستبدلها بكلمة أو بطلب مساعدة. وهذه الكلمة قد يكون وقعها أفضل من الحبة وفاعلة أكثر”.

 

 

 

 

 

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى