مجتمع

إحتفال طرابلسيين برأس السّنة: رصاصٌ ورعبٌ وتجاهل دعوات

لم تنفع كلّ التحذيرات والدعوات والفتاوى التي وُجّهت في طرابلس إلى المواطنين بهدف منعهم من إطلاق النّار من أسلحتهم الحربية منتصف ليلة يوم أمس الأول، عند نهاية العام 2021 وبداية العام 2022، والتوضيح لهم بأنّ الإحتفال بانتهاء عام ومجيء آخر لا ينبغي ولا يجوز أن يكون بهذا الشّكل، نظراً لمخاطره وأضراره الكثيرة، وكونها عادة سيّئة.

فما إنْ دقّت عقارب السّاعة عند الـ 12 منتصف ليل الجمعة ـ السّبت، حتّى بدأ إطلاق الرصاص بشكل كثيف في طرابلس والمناطق المجاورة، ما دفع العديد من الأهالي إلى توجيه نداءات عبر منصّات وسائل التواصل الإجتماعي، يدعون فيها القوى الأمنية إلى ملاحقة مطلقي النّار الرصاص العشوائي الذي يطال منازلهم وممتلكاتهم، وأصابهم مع عائلاتهم بالخوف الشديد، ومناشدة الجيش والقوى الأمنية التدخّل من أجل وضع حدّ لإطلاق الرصاص، فضلاً عن إطلاق مفرقعات نارية.

الإحتفاء بمجيء السّنة الجديدة على هذا النحو إستمر نحو ساعة ونصف تقريباً، حتّى ظنّ البعض أنّ جولة إشتباكات عنيفة جديدة تدور في المدينة، نظراً لتنوّع الإحتفاء بين إطلاق الرصاص من أسلحة خفيفة ومتوسطة، بالإضافة لقيام مجهولين برمي 4 قنابل يدوية في مجرى نهر أبو علي وجعل صداها يصل إلى مناطق المدينة كافّة، وكذلك في أحد شوارع منطقة باب التبّانة، ما أدى إلى إصابة 3 أشخاص إصابات طفيفة، لكنّ الأضرار المادية كانت كبيرة نتيجة تكسّر زجاج سيّارات وشرفات منازل، الأمر الذي دفع وحدات الجيش وعناصر المخابرات إلى تنفيذ مداهمات عدّة في مناطق باب التبّانة والزاهرية والقبّة وأبي سمراء وباب الرمل وسواها، حيث تمكنت من توقيف 12 شخصاً، بين مطلقي النّار، وأشخاص بحوزتهم أسلحة في سيّاراتهم.

ونشر مواطنون على صفحاتهم عبر منصّات وسائل التواصل الإجتماعي أجواء الرّعب والخوف التي انتابتهم مع عائلاتهم خلال تلك الفترة، فمن كانوا خارج بيوتهم فضّلوا أنْ يؤخّروا العودة حتى انتهاء “حفلة الجنون” كما وصفوها، ومن كانوا في منازلهم تجنّبوا الخروج للشّرفات، أو الجلوس قرب النّوافذ والغرف المطلّة على الشّوارع التي شهدت إطلاق الرصاص، حتّى أنّ بعضهم نشر مقاطع فيديو تظهر الرصاص يلمع في سماء المدينة التي خيّم عليها ظلام دامس، إنْ بسبب إنقطاع التيّار الكهربائي أو توقّف كثيرين عن الإشتراك في مولّدات الإشتراك الخاصة، بعدما باتت تكلفتها تفوق بكثير مداخيلهم المتواضعة.

إطلاق الرصاص الكثيف الذي شهدته طرابلس تلك الليلة، دفع كثيرين إلى التساؤل عن المصدر الذي زوّد المواطنين به، ومن أين جاؤوا بثمنه، في مدينة يرتفع فيها صوت الجياع يوماً بعد آخر، حتى أنّ بعضهم أشار إلى أنّ ثمن الرصاصة لا يقلّ عن دولار أميركي، ومخزن أي بندقية يحتوي 30 رصاصة على الأقل، أيّ أنّ كلّ مخزن تكلفته لا تقل عن 800 ألف ليرة لبنانية، ما يعني أنّ الرصاص العشوائي الذي أُطلق بالهواء يقدر بمئات ملايين الليرات التي تكفي، بالحد الأدنى، سدّ جوع عائلات فقيرة عدّة في مدينة تشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 80 % من سكّانها يعيشون تحت خط الفقر.

كلّ ذلك أثبت أنّ الدعوات التي وُجّهت قبل حلول منتصف ليلة أمس الأول كانت بلا جدوى، كما أنّ تطبيق القانون بشكلٍ متراخٍ يدفع كثيرين إلى التجاوز وإطلاق العنان لشهواته وجنونه، على حساب إقلاق راحة الآخرين والإضرار بهم.

من أبرز تلك الدّعوات ما صدر عن دار الفتوى في طرابلس والشّمال، التي أكّدت أنّ “إطلاق الرصاص في الهواء محرّم شرعاً، ولا يجوز، وهو مخالفٌ لأحكام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفاعله آثم ومرتكبٌ للمعصية”، وكذلك عن رئيس بلدية طرابلس رياض يمق الذي اعتبر أنّ “كلّ من يطلق النّار هو متهمٌ بمحاولة القتل، وهو عدوٌ لطرابلس وأهلها، وعلى الأهالي في الأحياء كشف أسماء كلّ من يطلق النّار ليتم توقيفه، واتخاذ الإجراء القانوني العادل بحقّه”، بعدما كانت المديرية العامّة لقوى الأمن الدّاخلي قد طلبت من المواطنين “عدم إطلاق النّار، مع التأكيد على ملاحقة المُرتكبين، واتخاذ الإجراءات القانونيّة بحقّهم، وإنّه سيتمّ تعميم أسماء المُجرمين مُطلقي النّار التّي ترِدنا من القطعات، للدلالة على تصرّفهم الإجرامي بحقّ المُجتمع”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى