بنسبٍ متفاوتة، وزّع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثم عدم تشكيل حكومة على القوى السياسية اللبنانية التي اعتبر أنّها “لم تحترم لا وبل خانت ما تعهّدت به أمام فرنسا والمجتمع الدّولي”، إلّا أن الجزء الأوفر من التوبيخ كان من نصيب الثنائي الشيعي، وبالأخص حزب الله الذي اعتبر ماكرون أنه لا يمكن له أن يكون “جيشاً ضد إسرائيل، ميليشا في سوريا، وحزباً محترماً في لبنان”.
الرئيس الفرنسي حافظ على سياسة العصا والجزرة من خلال ما قاله في مؤتمره الصحفي مشيراً إلى أنّه قاوم بعض الأصوات في المنطقة والتي أرادت إعلان الحرب على حزب الله لينهار ومعه لبنان.
ماكرون، الذي بدا مرةً جديدة ضليعاً بخفايا وقطب النسيج السياسي اللبناني، اتّبع إستراتيجية إعطاء الحق لكلّ فريق في شأنٍ ما وتحميله جزءاً من المسؤولية.
وعن العقوبات الأميركية، قال راعي المبادرة أنّها لم تُنسق مع فرنسا، وأنّها ساهمت في تأزيم الوضع، الأمر الذي يعزز نظرية أن العقوبات الأميركية، في هذا التوقيت بالذات، رسالة واضحة وصريحة بأنّ الموقف الأميركي يتمايز عن الموقف الفرنسي اللّطيف، وهي ما جعلت الثنائي يتمسك بحقيبة المالية رغم التساهل الذي أبداه سابقاً في موضوع تشكيل الحكومة.
وبين مطرقة العقوبات الأميركية وسندان مخالفة الأعراف، أراد الخارج والداخل سحب حزب الله نحو رمال متحركة يغرق فيها. واللّافت هنا، أن من اختلق بدعة نادي رؤساء الحكومة السابقين التي تمنح بركتها لرئيس تحوّله إلى مرسال لها وتحجبها عن سابقه، والتي خلقت لنفسها بذلك دوراً سياسياً فيه مصادرة للأصول والدستور، هو نفسه من عمل جاهداً على نسف العرف القائم على إسناد وزارة المال لشيعي يحظى أقله بغطاء المكوّن الشيعي.
فالديمقراطية التوافقية التي تعتمد التوازن القائم بين مختلف المكونات، والتي باتت واقعاً مفروضاً منذ الطائف حتى اليوم نظراً لدقة الّلعبة والتركيبة اللّبنانية، لا يمكن نسفها إلّا في الطريق نحو الدولة المدنية.
وما يؤكد سعي نادي رؤساء الحكومات لمحاصرة حزب الله داخلياً وخارجياً، رفض مصطفى أديب استلام لائحة الأسماء العشرة من ممثليّ الثنائي، والتي كان من الممكن أن تؤمن له مروحة واسعة للاختيار.
وكما بات معلوماً، هم اخترعوا معوّقات ألصقوها بالمبادرة الفرنسية ولكنّ ماكرون تبرّأ منها جهارةً. ونقلت مصادر مطلعة لـ “أحوال” أنّ اختلاق الشروط مردُّه الى التأنيب الذي تعرض له الرؤساء السابقون من السعودية على خلفية تبنّيهم ترشيح أديب، ولذا قاموا بعرقلة عملية التأليف عوضاً عن تسهيلها كي لا ينجح أديب ويتحوّل الانزعاج السعودي سخطاً، في الوقت الذي دعا فيه العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى نزع سلاح حزب الله محمّلاً إياه مسؤولية انفجار مرفأ بيروت.
لم يأتِ القصف على المبادرة من الرياض وواشنطن فقط، بل من طهران أيضاً إذا ما صحّت المعلومات التي أفادت بأن وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، وخلال لقائه نظيره الروسي، رفض التجاوب مع وساطة موسكو الهادفة إلى إقناع طهران بتسيهل تنفيذ المبادرة الفرنسية.
في ظل شدّ الحبال الإقليمية والدولية، باتت فرنسا تغرّد وحيدةً في مبادرتها الإنقاذية، ورغم ذلك تمسّك ماكرون بها مانحاً الأفرقاء اللّبنانيين ما بين أربعة وستة أسابيع، ومحدداً بذلك سقفاً زمنياً يتخطى موعد الانتخابات الأميركية في الثالث من تشرين الثاني.
والأسئلة التي تطرح اليوم، هل سيعود الحريري إلى واجهة الترشيح؟ وفي حال عاد، هل سيعيد الثنائي ترشيحه بعد قنبلة الإعتذار التي هدفت إلى إحراجه محلياً ودولياً؟
وما الذي قصده ماكرون بالسيناريو الأسوأ، الواقع الداخلي المتأزم أم أن هناك ما يُحضّر خارجياً في ظل متغيرات المنطقة والعالم، ولا سيّما أنّ ماكرون أكد أن العقوبات غير مستثناة.. في وقت ما؟
آلاء ترشيشي