مصابيح الذاكرة المُتقدّة نضالاً وحباً وجنوباً
جديدٌ في اصداره، قديمٌ بمواده، مستمرُ بموضوعاته، ومتجددٌ بإسلوبه، كالأبد هو بجنوبه، إنّه “مصابيح الذاكرة – وجوه الرحلة ومطارحها”، كتاب الزميل حسين سعد، الإعلامي الذي خاض في الصحافة المكتوبة والمرئية، وكان مراسلاً لعدد من وسائل الإعلام في عز إنتشارها.
كتاب حسين سعد “مصابيح الذاكرة” هو فعلاً مصابيح تُنير الدرب على شخصيات وأحداث وأمكنة نسيها الناس في لبنان سريعاً، علماً أنّ هذه كلها أي الأحداث لم تكن بسهلة، كونها متعلّقة بالحرب والسلم والإنسان في شتى وجوهه.
يُضيئ حسين سعد بمصابيحه على أكثر من 45 شخصية متنوعة مضيئة بفعالها وحضورها ونشاطها وجهادها واستشهادها.
لماذا “مصابيح الذاكرة – وجوه الرحلة ومطارحها”؟ أَلأنّ المصباح هو الذي ينير عتمة قلوبنا، في أرض غير سهلة المسير، ووجوه معروفة بتوجهاتها حيث تستمد المصابيح، عكس المتعارف، فنورها مستمد من هذه الوجوه في تبادل جميل. والمطارح، هنا، التي تعني الجنوب بكل ما تعني هذه الأرض من آلام وآمال وحزن وحنين وتهجير وعودة وقصف واستشهاد وأمهات مناضلات وشباب بعمر الورود رحلوا.. فهل من يحفظ هذه الوجوه ومطارحها؟ أم سيلعب الزمن اللبناني السيئ لعبته فيمحوها بقساوته ولؤمه؟
مصابيح حسين سعد، إبن بلدة طيرديا الجنوبية المناضلة، خاضت بشكل كبير بالوجوه النضالية الجنوبية اللبنانية التي عانت الحرب والإهمال والاحتلال والقتل والمجازر، ونهضت نحو البطولات دفعة واحدة، فخرجت نحو الحرية دون منّة من غريب أو قريب، بل بسواعد أبنائها وحدهم، على تنوّعهم.
اضاءت مصابيح ذاكرة حسين سعد على الأماكن في فصل كامل بين ساحة قَسم صور، وساحات بنت جبيل، وبحر صور، كما ذهبت نحو جويا، وجالت في البص، ولم تُغيّب قرى الناقورة أبداً، بل كتبتها بألم وقلم شفّاف وجمالية تأريخية، موضوعي في زمن كان الجنوب فقط هو الدم والمواجهة.
حسين سعد الزميل الموضوعي الذي لا يُجانب الحقيقة، ولا يُخبئها، بل يتناول دوماً وأبداً كل صغيرة وكبيرة في الجنوب، ذاك الساحل البحري الجميل من الصرفند وعدلون إلى صور والناقورة. فلا يكفيه كتاب واحد ليضم آلاف المقالات في “السفير” أو تقارير شاشة “الجديد” أو صوتيات “صوت الشعب”. هو صوت الجنوب، هذا الجنوب الذي غبّ كل مراسليه وضمهم في سِلمِه بعد أن ضموه هم في احترابه ومقاومته.
فهل كرّم الجنوب أفعال هؤلاء المراسلين الذين حملوا دمهم على أكفّهم في شتى الاعتداءات الصهيونية؟ هل ضمتهم وسائلهم الإعلامية ما بعد السلم والأمن والأمان؟ هل كرّمتهم هذه المؤسسات؟.
لا ينسى حسين سعد الأبطال كسمير القنطار ولا كوزو أوكوموتو ولا دلال المُغربي أو ليال نجيب، وهم مناضلون أمميّون، ولم ينسى المناضلون المحليون البسطاء.
لكن ما يُؤخذ على حسين سعد في كتابه هو اقتصار عدد الشخصيات النسائية التي أضاء عليها عدد اليد الواحدة، فلا تتعدى الخمسة في حين طفح الكتاب بالشخصيات الذكورية، علما أنّ عدداً كبيراً من الشخصيات النسائية لعب دوراً مهما في الجنوب من أقصاه إلى أقصاه، ولا يزال.
وجميل الكتاب أنّه لم يُبجّل أية شخصية سياسية أو شخصية مُدعيّة أو متبجّحة أو متنّطحة، بل كل من تناوله كان إنساناً مكافحاً مناضلاً وحقيقياً، لم يتكلّ على تراث أجدداه ولا ترقيات حزبه أو منصبه المالي. إبتعد حسين سعد عن التبجيل والتفخيم على العكس من عادة بعض الاصدارات الإعلامية المدفوعة الثمن، والمُمولة من شخصيات عامة معروفة.
كتاب حسين سعد هو “شقفة” من ذاكرة يومية عشناها حين كنا نقرأ صحف بيروت، ونرقب الشاشات لنسمع أخبار”نا” نحن الفقراء، أبناء الأرض.
شكراً زميلنا حسين سعد لكونك كنت ولا زلت إبن الجنوب، الآتي من نبض الناس.
يقع الكتاب “مصابيح الذاكرة – وجوه الرحلة ومطارحها” في 205 صفحات، صادر عن دار الفارابي-بيروت.
سلوى فاضل