منوعات

الدولار بـ “30 ألف” إذا..

تعديل "الفاتورة الجمركية" ضريبة جديدة لسحق المواطن

يبدو أن تعديل “الدولار الجمركي” أصبح قريباً كإجراء “إصلاحي” من ضمن الإجراءات التي تعتزم حكومة “معاً للإنقاذ” على اتخاذها، لتعزيز إيرادات الدولة وتمكينها من تغطية الزيادة المستجدة في الإنفاق العام، لا سيما تحسين رواتب وأجور القطاع العام وبدلات النقل للموظفين ودعم الفقر وفاتورة الإستيراد وفق سعر صرف دولار تخطّى الـ23 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد.

إلا أن هذا الإجراء الذي يُعدّ أحد شروط صندوق النقد الدولي، يُشكّل خطوة في المجهول في حال أُقرّ بطريقة عشوائية من دون خطّة واضحة تؤمّن الحماية للشرائح الشعبية الفقيرة، من التداعيات المتوقعة على سعر الصرف وأسعار المواد المستوردة، وكي لا تتحوّل إلى ضريبة غير مباشرة جديدة.

فهل ستتّجه الحكومة إلى إقرار “الدولار الجمركي” في ظلّ هذه الفورة بسعر الصرف وأسعار المواد الإستهلاكية؟ ووفق أي صيغة وسعر للفاتورة الجمركية؟ وما هي التداعيات على المواطنين؟

لم يكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعلن، منذ أسبوع، بأن الحكومة ستتّجه للبتّ بالدولار الجمركي في أول جلسة لمجلس الوزراء، حتّى سجّل سعر الصرف ارتفاعاً تجاوز العشرين ألف ليرة ووصل إلى حدود الـ23 ألفًا، بعدما ثبت السعر عند نقطة 23 ألف منذ أسابيع، أي بزيادة 3000 ليرة خلال أيام.

وفيما تشير مصادر ميقاتي إلى أن “الهدف المُعلن من هذه الخطوة تعزيز إيرادات الخزينة العامة من الواردات الجمركية لتمويل الزيادة في الإنفاق العام”، كشفت مصادر اقتصادية لـ”أحوال” أنه وبعد تصريح ميقاتي “ارتفعت أسعار قطع الغيار المستوردة بالدولار بنسبة 40 في المئة، إذ بدأت الشركات بتحديد الأسعار وفق السعر المتوقع للدولار الجمركي، ما يشكل مخالفة فاضحة للقانون”.

بدوره، أشار وزير الصناعة والسياحة السابق، فادي عبود، في حديث لموقعنا إلى أن “التعديل الجمركي عادة ما يُمرّر بصمت، لكن فور إعلان ميقاتي عن الدولار الجمركي ارتفع سعر صرف الدولار فوراً”. وتوقع عبود “ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 30 ألف ليرة في حال طُبّق الدولار الجمركي على سعر الدولار في السوق السوداء، وهذا أمر خطير جداً على السوق لأنه سيزيد نسبة التضخم”.

وتساءل عبود: “هل يُعقل أن تسحب الشركات والأفراد أموالها في المصارف على سعر 3900، وفي المقابل يجري دفع الرسوم الجمركية على سعر 12 أو 17 ألف ليرة؟”، لكنه بالمقابل رأى أنه “لا يمكن في نهاية المطاف ترك الدولار الجمركي وفق السعر الرسمي، أي 1500 ليرة، في ظل تعاظم إنفاق الدولة لا سيما على القطاع العام، وارتفاع كلفة الإستيراد على خزينة الدولة ومصرف لبنان وفق سعر الصرف في السوق الموازية، لكن يجب الصعود بالدولار الجمركي تدريجياً وبخطة اقتصادية، أي البدء بسعر 3900 صعوداً”.

من جهة أخرى، توقّع عبود أن “يبقى سعر الصرف في الحالات الطبيعية ضمن حدود العشرين ألف ليرة، مع تسجيل ارتفاعاً حتى حدود الـ25 ألفًا، طالما أن لا إصلاحات جدية ولا أموال من البنك الدولي والجهات المانحة، مع بقاء الأزمة السعودية والخليجية مع لبنان وتوتر الوضع السياسي والحكومي وتعطل مجلس الوزراء وغياب الشفافية والرؤية الواضحة ومكافحة الفساد”.

وعلى الضفّة الموازية، تخوّفت مصادر اقتصادية من أن “تعديل الفاتورة الجمركية تشكّل ضريبة جديدة غير مباشرة، ستطال كافة شرائح المجتمع، وتشمل المستورد الأساسي والموزعين وأصحاب المصالح والسوبرماركات والمستهلك، كما أنها ستشمل كافة أنواع السلع والبضائع والمواد والخدمات التي تفرض عليها الرسوم”.

إلا أن مصادر مطلعة على الملف تشير لـ”أحوال” إلى أن “المشروع ليس جديداً، فقد سبق وطُرح في حكومة الرئيس حسان دياب عبر مشروع أعدّه وزير المال السابق غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لزيادة إيرادات الدولة لتعزيز قدرتها على تغطية الإنفاق، لكن المشروع تجمّد بعد استقالة حكومة دياب، لا سيما وأنه يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء ويدرج في مشروع الموازنة العامة في قسم الإيرادات”.

هذا ولوحظ المشروع في خطة شركة الاستشارات المالية الدولية “لازار” التي كلفتها الحكومة السابقة بإعداد خطة النهوض الاقتصادي، وطرحت أيضاً ضمن خطتها تعزيز القدرة المالية أو إيرادات الدولة، لا سيما الجمارك، وتحرير سعر صرف الدولار وتخفيض حجم القطاع العام، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع الخسائر على المصرف المركزي والمصارف والدولة. واليوم أُعيد إحياء هذا المشروع مع حكومة ميقاتي، إلا أن المصادر تتوقع التأخر في إقراره كون الحكومة معلقة على حبال الخلافات السياسية حول أكثر من ملف أساسي.

وأشارت المصادر إلى أن “تعديل الدولار الجمركي سيحصل حكماً، لكن النقاش يدور حول سعر الصرف، 3900 أم سعر المنصة 12 ألف أو 17 ألف أو السوق السوداء؟”، مرجحة أن “يتم اعتماد السعر المصرفي أي 3900 ل.ل”.

ورأت المصادر أن “هذا الإجراء هو نوع آخر من الضريبة غير المباشرة التي تطال مختلف فئات الشعب وتزيد من الأعباء المالية على المواطن، وتساهم في سحقه في ظل تدهور القدرة الشرائية للمداخيل والرواتب وتضخم الأسعار، فيما تغض الحكومة الطرف عن أنواع أخرى من الضرائب المباشرة أو التصاعدية التي تطال الطبقة الميسورة والأملاك البحرية والمداخيل والثروات والعقارات والأرباح التي تدر على الخزينة المليارات”.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى