مجتمع

الخبز في مخيّم البدّاوي بسعر الكلفة: “ممنوع حدا يجوع”

قرابة السّاعة الثامنة والنّصف من صباح يوم الأحد الماضي، 7 تشرين الثّاني/نوفمبر الجاري، في زاروب صغير يقع بالقرب من مسجد القدس والمقبرة القديمة في مخيّم البدّاوي، أطلق ناشطون من سكّان المخيّم حملة تحت عنوان “ممنوع حدا يجوع”، قاموا خلالها ببيع ربطة الخبز بسعر 4 آلاف ليرة لبنانية، أيّ ما يقارب نصف سعرها في الأفران والمحال التّجارية ومحال السّمانة، بعدما وضعوا ربطات الخبز فوق طاولة خشبية بسيطة وألصقوا على جدار فوق الطاولة ورقة كتبوا عليها: “خبزاتك عنّا بس بـ4000 ليرة لبنانية”.

دلال شحرور، إحدى المشرفات على الحملة، أعلنت مسبقاً في منشور لها على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي عن موعد انطلاق الحملة، التي أشارت إلى أنّها “مبادرة إجتماعية خيرية، الهدف منها منع أي عائلة أن تجوع، وأنّ الأموال التي تأتي للحملة هي على شكل تبرّعات من أشخاص يحبّون عمل الخير من أجل تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين”، متمنية أن “تستمر الحملة بلا توقّف، وأن تتوسّع كي تشمل تقديمات أخرى، برغم الإمكانات المتواضعة التي نملكها”.

اليوم الأوّل من الحملة شهد إقبالاً لافتاً، إذ بيعت جميع ربطات الخبز، ما دفع شحرور أو إم عاطف – كما يناديها كثيرون ـ إلى الإعلان بأنّه “نظراً للإقبال الكبير على شراء ربطات الخبز المدعوم بسعر 4 آلاف ليرة في المخيم، غداً إن شاء الله سوف نزيد من الكمية كي يستفيد منها أكبر عدد من العائلات المحتاجة”، مضيفة أنّ “عائلات كثيرة أقبلت على شراء الخبز بهذا السّعر لأنّ وضع غالبيتها صعب جدّاً”.

هذا الوضع المعيشي والإجتماعي الصّعب في مخيّم البدّاوي، المتاخم لمدينة طرابلس، ليس خافياً على أحد، إذ يندر أن يمرّ يوم بلا الإعلان عن حالات فقر وعوز في صفوف عائلات تحتاج إما إلى طعام يسدّ رمقها، أو دواء لمعالجة أحد مرضاها، أو شراء حليب أطفال ودفع إيجار منزل وغير ذلك، بعد تراجع تقديمات وكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين، ما وضعهم تحت ضغط معيشي كبير جدّاً.

وما زاد الطّين بِلة هو أنّ وضع سكّان مخيم البداوي الصعب جدّاً قد ازداد صعوبة في السّنين الأخيرة بشكل كبير، بسبب بقاء نحو ربع سكّان مخيم نهر البارد المجاور فيه، الذين نزحوا من مخيّمهم خلال الأحداث التي شهدها صيف العام 2007، نتيجة عدم الإنتهاء من بناء جميع الوحدات السّكنية في المخيم الذي دُمّر بالكامل، والذي كان يقطنه حينها نحو 30 ألف نسمة، وكان يُعتبر ثاني أكبر مخيّم في لبنان بعد مخيّم عين الحلوة.

يُضاف إلى ذلك نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا على خلفية الأحداث التي شهدتها منذ عام 2011، وأغلبهم من مخيم اليرموك قرب دمشق، قسمٌ منهم لم يرجع بعد إلى مخيّمات سوريا، ما جعل مخيّم البدّاوي الذي يُعتبر واحداً من المخيّمات الصغيرة في لبنان يتحوّل خلال سنوات قليلة إلى أحد أكبر المخيّمات الفلسطينية، وإحدى أكثر المناطق اللبنانية إكتظاظاً بالسكّان، ما أجبر عدداً كبيراً منهم إلى التمدّد والسكن خارجه، وتحديداً في مناطق جبل البدّاوي والقبّة والعيرونية المجاورة له.

هذا الضغط السّكّاني الكبير في مخيّم البدّاوي من عائلات أغلبها فقيرة أو محدودة الدّخل، جعل أي مبادرة إنسانية أو إجتماعية للمساعدة تلقى أرضية خصبة فيه، على شاكلة المبادرة الأخيرة التي تهدف لبيع ربطة الخبز إلى العائلات بسعر الكلفة، على قاعدة أن “حصوة تسند جرّة”، برغم أنّ البعض من سكّان المخيّم دعا القائمين على الحملة إلى أن تكون المساعدة أكبر وأكثر نفعاً، مثل تأمين قوارير الغاز بسعر الكلفة للعائلات المحتاجة، بعدما وصل سعرها إلى حدود 300 ألف ليرة.

غير أنّ هذه الحملة ليست مقتصرة على مخيّمات وتجمّعات الشّمال فقط، إذ قال وليد الأحمد من جمعية “الإنسان أمانة” إنّه “إستكمالاً للجهود والعمل المتواصل، وإيماناً منّا بتوفير كلّ الجهود الممكنة للوقوف أمام أبناء شعبنا في ظلّ الأزمة المعيشية الخانقة، أطلقنا حملة “الخبز حق إنساني للجميع”، تهدف إلى توفير الخبز وبيعه بسعر مدعوم في المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان”، مشيراً إلى أنّه “ستكون البداية من مخيّمات وتجمّعات الشّمال، على أن تتوسّع دائرة الحملة إلى جميع المناطق”.

وتوقف الأحمد عند أنّ “الحملة إنطلقت بسبب إشتداد الأزمة الإقتصادية الخانقة في لبنان وتأثيرها المباشر على الجميع بلا استثناء، وخصوصاً العائلات التي فقدت مصدر رزقها وطرق العوز أبوابها بشدّة”، معتبراً أنّها “أزمة لم نشهد لها مثيلاً حتى خلال الحروب التي عشناها على مدار سنوات طويلة”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى