طوني جريج لـ”أحوال”: “الراسينغ” كان يشكّل الاتحاد.. والإنكليزي “ريفي” طلبني للإمارات
يُعتبر طوني جريج واحدًا من أفضل اللاعبين الذين مرّوا في تاريخ “القلعة البيضاء”، إذ كان من المخلصين لنادي “الراسينغ” وقدّم له كل ما يملك على أرض الملعب.
جريج كان من القلائل الذين لعبوا كرة القدم حبًا باللعبة وليس بهدف جني الأموال، فهو لم يتقاضَ راتبًا شهريًا من إدارة النادي، بل كانت الأمور تقتصر على بعض المكافآت الظرفية.
وُلد طوني عام 1955 في قرية جبرايل العكارية، وخلال ثورة 1958 انتقلت العائلة إلى بيروت بحثًا عن لقمة عيش كريمة وظروف أفضل، حيث سكن في منطقة تقع بين سن الفيل والنبعة، وهي محلة فقيرة ومختلطة من كل المذاهب ولا تفرق بين أحد.
بدأ ممارسة كرة القدم في الأزقة مع أقرانه الأولاد، وبعدها انتظم في نادي العلم برج حمود. عام 1970 وأثناء إحدى المباريات، تعرّض لإصابة فقام إداري فريق الاستقلال، رفيق عريبي، بنقله إلى عيادة الدكتور جوزف ريشا للعلاج، وعرض عليه الانضمام إلى الفريق الذي يرأسه رشيد ريشا، فوافق جريج على الفور وكان ذلك عام 1970. وفي السنة التالية، خاض جريج مع الاستقلال بطولة الدوري، وإنتقل إلى صفوف الراسينغ عام 1973.
وفي حديثه لموقع “أحوال ميديا”، قال جريج إنه في ذلك العام وبعد تألّقه في الملاعب، تمّ اختياره لتمثيل لبنان مع منتخب الشباب في بطولة آسيا في طهران، وكان المنتخب يضم يومها أسماء فتية أصبحت فيما بعد من الأبرز، أمثال محمد الأسطة ووليد قمر الدين ووفيق حمدان وفاسكين وسواهم، ويومها تصدّر المنتخب اللبناني مجموعته الأولى بعد تعادلين أمام كوريا الجنوبية والهند سلبًا، والفوز على البحرين 2-0، إلا أنّه تعثّر أمام السعودية في ربع النهائي وخرج بضربات الترجيح (7-8) بعد تعادلهما 1-1، كما لعب للمنتخب الوطني الأول عام 1974 في بطولة ودية في المملكة العربية السعودية.
عام 1976 شارك جريج المنتخب برحلة إلى كوريا الجنوبية، ويومها قدّم أجمل مبارياته إذ خسر بصعوبة أمام المنتخب المستضيف بهدف وحيد، وفاز على الولايات المتحدة؛ ومع بداية الحرب الأهلية، غادر جريج إلى ليبيا ومكث فترة عند شقيقته، وحدثته نفسه بالتوقيع لأحد النوادي إلا أنه آثر العودة إلى بلده.
هزمنا المنتخب البرازيلي
المباراة الأجمل لجريج، والتي لا يمكن له نسيانها، كانت مع “الراسينغ” أمام منتخب شباب البرازيل عام 1978 على ملعب برج حمود، ويومها فاز الفريق اللبناني بهدف سجّله جوزف منصف، حتى أنه يتذكّر ما قالته إذاعة الكيان الصهيوني خلال تقديم النشرة الرياضية بالعربية عقب جولة للمنتخب البرازيلي في دول الخليج وتحقيقه إنتصارات ساحقة؛ إذ جاء في النشرة: “ألم نقل لكم إن الأقلية تصنع المعجزات وليس المال فقط”، في إشارة إلى البلد المنكوب لبنان آنذاك.
وفي عام 1979، شارك جريج مع المنتخب في تصفيات كأس آسيا في أبوظبي، واختير كأفضل لاعب وسط مهاجم على الرغم من انسحاب لبنان أمام سوريا، بعدما ألغى الحكم البناي هدف طوني رستم بلا مبرر. ويومها اضطربت الأجواء في المدينة التي اغلقتها السلطات الإماراتية لمدة ثلاثة أيام خوفًا من اصطدام الجاليتين السورية واللبنانية؛ ويذكر جريج أن المدرب الإنكليزي الشهير “دون ريفي”، الذي كان يُشرف على المنتخب الإماراتي، نصحه بالانتقال إلى صفوف النصر دبي، لكن إدارة الراسينغ رفضت منحه كتاب الاستغناء.
ومن المحطات البارزة لجريج مع “سندباد” الكرة اللبنانية، فريق الراسينغ، الرحلات المتكررة إلى رومانيا والبلدان العربية. ويذكر أنه في أحد المرات اضطر الراسينغ إلى المغادرة عبر مطار دمشق قاصدًا الكويت لتمثيل لبنان مع اشتداد أتون الحرب وإغلاق مطار بيروت. أما داخليًا فكانت زيارة فريق الراسينغ، الخاضع وقتها إلى “المنطقة الشرقية”، إلى شطر بيروت الغربية عام 1983 من المحطات المهمة في حياة طوني، بحسب قوله في حديث لـ”أحوال”، إذ لعب مباراتين تعادل في الأولى أمام الصفاء، وفاز في الثانية على النجمة بطل لبنان بثلاثية نظيفة، حيث كان لجريج نصيبًا منها بتسجيله هدفًا وصناعة هدف آخر؛ وجاءت هذه الزيارة عقب انتخاب أمين الجميل رئيسًا للجمهورية ورغبته في انفتاح المناطق على بعضها، كما كانت لجريج مباراة جميلة أمام الأنصار الذي زار المنطقة الشرقية ولعب أمام تفاهم “الراسينغ والاستقلال” بحضور رئيس الجمهورية أمين الجميل؛ ولكن لاعبي الأنصار يومها وبعد عبورهم المتحف وعودتهم إلى بيروت الغربية، تعرضوا إلى مضايقات من إحدى المنظمات الحزبية الفاعلة آنذاك؛ كما خاض جريج عام 1984 مباراة دولية أمام منتخب بلغاريا “ب” وحقق لبنان يومها النصر 4-1.
من أبرز المحطات المؤلمة أيضًا التي يذكرها، كانت المباريات التي تُعرف بدربي المنطقة الشرقية بين الحكمة والراسينغ التي تقام في ظروف حرب حقيقية، فالسلاح كان ينتشر مع بعض الجماهير والأحزاب الحاكمة، ولم يشعر يومًا أنه عاش لذة كرة القدم في هذه المباريات على وجه التحديد.
تركيبة الاتحاد
يعتبر جريج أن الفضل الأكبر في إنجازات ونجاح الراسينغ يعود إلى العراب التاريخي جوزف أبو مراد الذي شكّل مع غابي مراد وايلي كوبلي “ثالوث” مجد الفريق الأبيض، فكان أبو مراد الذي يملك متجرًا في وسط بيروت، يُسمى “سبورتكس”، يشكل اتحاد كرة القدم هناك، واذا لم يرضَ الراسينغ عن شخص ما فلا يمكن أن يصل إلى الاتحاد، ولكن هذا الأمر كان يحصل لأن الراسينغ كان فريقًا “عابرًا” للطوائف في البلد ويضم في إدارته ولاعبيه كل أطياف المذاهب، وأبرز النجوم الذين دافعوا عن “القلعة البيضاء” التي مقرها الجميزة، أبرهم أحمد صالح ورياض الحلبي والنائب السابق محمود عمار وسهيل رحال ومحمد حاطوم وسواهم، وكان الراسينغ محبوبًا من الجماهير المحلية وله بصمات مشرقة في التمثيل الخارجي، وقام بإنشاء فروع له في العديد من المناطق اللبنانية.
رفض طوني جريج أن يكرّمه ناديه من أجل أن يحصل على مدخول المباراة التكريمية، إذ يعتبر أن هذا الأمر يعني استبعاده من النادي وطيّ الصفحة المشرقة. وكان جريج قادرًا على العيش من راتبه الشهري لقاء عمله في “المون لاسال” والبالغ يومها 240 ليرة؛ اذ يقول عن نفسه آنذاك: “كنت شايف حالي” واستطعت شراء منزل ومحل لبيع الأدوات الرياضية”.
في الختام، يرى جريح أن “راسينغ” اليوم غير “راسينغ” الأمس، حاله كسائر الأندية. فولاء اللاعبين لم يعد للدفاع عن “القميص” بل للمال، وهذا الزمان مختلف عن ذي قبل.
سامر الحلبي
https://www.youtube.com/watch?v=GNrgNRkFHp4&feature=youtu.be