الاختلاف في الرؤى الفكرية، سمة بشرية عامّة حول الكثير من القضايا. ولأن التناقض أمر قائم وموضوعي منذ تشكّل المجتمعات البشرية بين الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة، وحتى ضمن الطبقة الاجتماعية الواحدة، وفي ما بين ممثليها في الفكر والسياسة والتنظيم.
ولأن الإتصال بين مكوّنات المجتمع الطبقية والسياسية هو حالة موضوعية (تعارضاً أو إئتلافاً، توافقاً أو إختلافاً) يغدو الحوار في هكذا حالة حاجة وضرورة، من شأنه تحقيق الاتفاق على ما هو مشترك بين الجماعات البشرية، وإخضاع ما هو خاص – إلى حد معين – لدى الأفراد لأهداف الجماعات ومعاييرها في عملية البناء الاجتماعي.
في هذا المجال تغدو العمليات الحوارية الاجتماعية والسياسية والفكرية بين المكونات المختلفة للمجتمع ضمانة لتقدمه وتطويره، وتخليصه من الجمود القاتل، ومن عبث السلطات الممركزة بأيدي الفئات العليا من الطبقات المستغلّة، بخاصة في الأنظمة التي لم تشهد أي مستوى مقبول من الوعي المجتمعي لفكرة الديمقراطية، أو أي شكل من أشكال الممارسة السياسية والإجتماعية لها…
وما يصلح قوله في الأنظمة الديكتاتورية العربية على إختلافها في هذا المجال، يصلح قوله إلى حد كبير في حياة الأحزاب والحركات والتيارات السياسية المعارضة لهذه الأنظمة.
وعلى هذا الأساس يحضر الحوار كضرورة وطنية وحاجة ماسّة لدى الأطراف في الأنظمة والأحزاب وفي التنظيمات والحركات السياسية عامة، على طريق التقويم الموضوعي لأفكار وبرامج وسلوك وممارسات مكوّنات المجتمع السياسي موالاة ومعارضة. أو لمكونات سلطة تشكّلت أو في طور إعادة التشكيل، وتقديم ما يمكن تقويمه في مجال العمل السياسي (فكراً ونهجاً) كي يحقق الحوار رسالته السامية في الوحدة والحرية والتقدم للأوطان وللمواطنين، وللأحزاب والتنظيمات السياسية، التي تتبنّى السلطة وتعمل على بناء الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية في وطن عربي يتعطش أبناؤه وبخاصة أجياله الفتيّة إلى نموذج البديل الديمقراطي للأنظمة الطائفية والديكتاتورية على اختلاف أنواعها وتسمياتها “جمهورية” كانت أم “ملكية” أم أنظمة “إمارات” أم “سلطنات”.
وكي يكون الحوار مجدياً ومفيداً، وحتى لا يتحول إلى جدل عقيم – وهذا ما نشاهده على أكثر منابر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي – نرى ضرورة تحديد موضوعات الحوار والمحافظة عليها، وإعلان الأهداف منها، أثناء عمليات التحاور بين الأشخاص والأطراف، أو داخل الهيئات والدوائر المختصة بذلك كما يحصل في مجالس النواب، ومجالس الوزراء، وفي الهيئات القيادية، التشريعية والتنفيذية للأحزاب، وفي النقابات العمالية والمهنية المختلفة مع من يرافق ذلك من تكريس لمبدأ الإحترام المتبادل، وحسن الإستماع وضبط النفس، والتواضع والإصغاء، وتقبل الآخر، تحرّي العدل والصدق والأمانة والموضوعية في طرح القضايا… من قبل المتحاورين كافة أفراداً كانوا أم هيئات.
رجا سعد الدين