مجتمع

“السوفرولوجيا” من أوروبا الى لبنان لتعزيز التناغم بين العقل والجسد

قد تكون “السوفرولوجيا” كلمة جديدة بالنسبة الى كثيرين، لكن هذا العلم الذي وضع أسُسَه الطبيب الكولومبي ألفونسو كايسيدو عام 1960 يحظى منذ سنوات بشعبية كبيرة في العالم، خاصةً أنه يعمل على إعادة التوزان بين العقل والجسد ويتيح للفرد اكتساب مهارات حياتية مهمّة وأدوات خاصّة لمواجهة القلق والصدمة النفسية والأرق والتوتر وغيرها من الاضطرابات التي يعاني منها اللبناني اليوم أكثر من أي وقت مضى، لا سيّما في ضوء الأزمة الاقتصادية الحالية والتبعات النفسية لانفجار مرفأ بيروت بالإضافة للضغوط الهائلة التي تفرضها جائحة فيروس كورونا على الناس.

وتُعتَبَر سوزان تلحوق الحائزة على شهادة في علم السوفرولوجيا من “أكاديمية السوفرولوجيا في لندن” من أولى المُجازات بممارسة هذا العلم في منطقة الشرق الأوسط.

تعرّفت تلحوق إلى السوفرولوجيا في عام 2017 خلال مقابلة تابعتها عبر “راديو مونت كارلو” ضمن برنامج بعنوان “الصحة المستدامة”، فشدّها كلام لأخصائية فرنسية كانت تتحدّث عن طريقة استرخاء تجمع بين التأمل والتصوُّر الذهني والحركة الجسدية، والتي اكتشفت لاحقا أنها تُدعى علم السوفرولوجيا.

ومن هنا بدأ الشغف وحب التعمّق في الصحة النفسية وبدأت الرحلة الأكاديمية إلى لندن، وتحديداً الى أكاديمية السوفرولوجيا في العاصمة البريطانية. هكذا حازت تلحوق على شهادة بعد سنتين من الدراسة ورحلة طويلة من التعلم.
وتقول سوزان تلحوق في حوار خاص لموقع “أحوال” أن ” كلمة سوفرولوجيا تعني في العربية “علم الوعي بانسجام”، أي خلق الانسجام بين العقل والجسد والتناغم بينهما. وإنّ 90 في المئة من مشكلاتنا مردّها الى غياب علاقة الترابط والتناغم بين العقل والجسد. فإذا كانت الأفكار في مكان والجسد في مكانٍ آخر، فهذا الانقطاع بينهما يولّد مشكلات كبيرة لدى الانسان”.

وتشرح: ” إذا كان أحد الأشخاص يشعر بالتعب والإرهاق الجسدي ويحتاج الى النوم إلّا أنّه لا يتمكّن من أن يغفو لأنّ عقله لا يسمح له بذلك، فهذا سببه انقطاع جسر التناغم بين العقل والجسد. وإنّ علم السوفرولوجيا هو إعادة هذا التوازن والتناغم بين العقل والجسد، عبر تقنيات التنفس وحركات ديناميكية، إضافةً الى التصور الذهني (Visualization). وهذه الأدوات الثلاث جمعها العالم الكولومبي من أصول اسبانية ألفونسو كايسيدو في عام 1960، وذلك خلال رحلاته الى اليابان والصين والهند وسويسرا وألمانيا من أدوات عدة، منها اليوغا والتفكير والتأمل و”الوعي المُركَّز على الحاضر” (Mindfulness) المنتشرة جداً في عالم الغرب، كذلك من علوم النفس ووسائل الاسترخاء التي كان يتبعها الالمان منذ زمن وهي طريقة الوصول الى أكثر جزء من الراحة في العضل من خلال تقنية الـ Tension release أو “الإفراج عن التوتر”.

رحلة الوصول الى السوفرولوجيا

وقبل التخصص في هذا العلم الذي له منافع عدّة كانت تلحوق قد سلكت مساراً مهنياً مختلفاً حيث أنّها كانت تعمل كخبيرة اتصالات وعلاقات عامة وهي أيضاً كاتبة ولها ديوانين شعريين كما أنها مؤسِّسَة جمعية “فعل أمر” غير الحكومية التي تهدف إلى إبراز أهمية اللغة الأم في الابداع، والانتاج، والحفاظ على الهوية. فما الذي وضعها على درب التخصّص في السوفرولوجيا؟

على هذا السؤال تجيب: ” منذ عام 2001 بدأت أسعى للتعمق في البحث الروحي ومفاهيم الصحة النفسية عبر سلوك دروب مختلفة شملت ممارسة اليوغا والتأمل وزيارة مناطق مختلفة من العالم منها الهند وجبال الهيمالايا… فلدي توق منذ سنوات طويلة الى الروحانية. وفي وقتٍ وصلت فيه الى أعلى مرتبة ممكنة مهنياً وكنت أشغل منصباً رفيعاً في شركة عالمية، إلا أنني بدأت بالتفكير بانه لا يمكنني أن أكون بعد 5 أو عشر سنوات في المكان نفسه، ورحت أبحث عن طريقة تجعل شغفي بالبحث الروحي يتماشى مع أهدافي في الحياة وأن يتحوّل في الوقت نفسه طريقة عيش وعمل. فتعرّفتُ الى علم السوفرولوجيا صدفةً” عبر مقابلة مع أخصائية في هذا العلم ضمن برنامج “الصحة المستدامة” عبر أثير إذاعة “مونتي كارلو”، الذي كنت أستمع اليه وكانت المذيعة تسأل ضيفتها عن العمل خلال الجلسة على التنفس والحركات الديناميكية مع الشخص المقابل لمعالجة القلق والأرق، ولفتني هذا الجزء، وبدأت السؤال عن هذا العلم الذي يتضمّن شقاً عملياً كهذا الى جانب المحادثة والمشاركة، وهو مجانس للنظام الطبي ومقبول لدى الفرنسيين وفي المستشفيات الفرنسية”.

 

من يستفيد من السوفرولوجيا؟

وتؤكد: “يستفيد من السوفرولوجيا كلّ من يعاني القلق والأرق ولا يتمكّن من النوم، كذلك يستفيد جداً من هذا العلم الأشخاص الذين يعانون جرّاء الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي ويعتمدون على الدواء لكي يتمكنوا من النوم، لأنّ السوفرولوجيا من أهم الوسائل التي تعيد تنظيم ومعالجة علاقة الانسان بالنوم، وتعتمدها كبرى المستشفيات في فرنسا وسويسرا. وإنّ البروتوكولات التي نعمل عليها في هذا الإطار، معتمدة من مستشفيات عالمية. كذلك يستفيد من السوفرولوجيا كلّ من يعاني القلق أو اضطرابات القلق ومشكلات في التنفس والمعدة، والذي يعيش حالة صدمة، بالإضافة الى الأشخاص المُكبّلين بالأفكار السلبية”.

وعن فترة العلاج المطلوبة تقول: “من يعاني من قلة النوم مثلاً، فيُمكن لاختصاصي في السوفرولوجيا أن يساعده على معالجة هذه المشكلة وفق بروتوكولات سبق أن جُرّبت وأجريت حولها الأبحاث. ويحتاج كلّ شخص الى ما بين 7 و9 جلسات لتعلُّم تمارين السوفرولوجيا، ثمّ يستطيع الشخص أن يطبّقها بمفرده في منزله”.

وعن قدرة هذا العلم على علاج الصدمات القوية تقول: “لقد أجريت جلسات علاج بالسوفرولوجيا لأشخاص تعرّضوا لحالة صدمة بعد انفجار المرفأ، كذلك لكثيرين لا يتمكنون من النوم، وأقدّم جلسة أسبوعية لجميع أعضاء فريق إحدى الجمعيات الناشطة في مساعدة المتضررين من الانفجار. وهناك شهادات حية لأشخاص يُخبرون كيف أننا نجحنا في جعلهم ينظرون الى الأمور من منظار مختلف، وأن يمتلكوا الأدوات اللازمة ليتخطوا المشاعر السلبية. إذ إنّ المشكلة التي يعاني منها غالبية الناس هي “العدة” أو الأدوات، فيذهبون الى مكان معيّن للراحة ليوم أو يومين ثمّ يختفي إحساسهم بالراحة بعد عودتهم الى منازلهم، لأنّهم لا يملكون أدوات الراحلة لاستخدامها وهذا ما تستطيع السوفرولوجيا أن توفّره لهم”.

 

اختلاف السوفرولوجيا عن اليوغا والتأمل التقليدي

وعن الفارق بين السوفرولوجيا واليوغا والتأمل، تقول: “الفارق هو أنّ السوفرولوجيا تحدّد هدفاً نعمل خلال المعالجة على تحقيقه، فلا يأتي أحد الأشخاص الى الاختصاصي في السوفرولوجيا لكي يرتاح فقط، بل يأتي لأنّ لديه مشكلة معينة فنعمل على حلّها، ونعود الى الأهداف الأساسية لتبيان مدى معالجتها وتحقيقها في حياتنا عبر التصرفات والتمارين. وبالتالي، إنّ السوفرولوجيا طريقة عملية جداً للتعامل مع تفاصيل الحياة وتحسين نوعيتها، إضافةً الى وضع الفرد على طريق فهم جسده وأهمية التوازن بينه وبين عقله، ما يعزز صحته النفسية وينعكس إيجابياً على حياته”.

 

 

 

رنا أسطيح

صحافية لبنانية، كتبت في شؤون الفن والمجتمع والثقافة في عدد من الصحف اللبنانية والعربية. قدّمت برامج إذاعية وقامت بإعداد العديد من البرامج الفنية والاجتماعية في أكثر من محطة تلفزيونية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى