من جديد، يبدو أنّ استقالات عدد من الكتل النيابية عادت لتُدرس على نار هادئة، كردّ على عرقلة فريق الثامن من آذار ولادة حكومة من لون واحد برعاية وتدبير دوليين. ويبدو أنّ مساعي الفرنسيين قد اصطدمت فعليًا صباح الإثنين بعدم موافقة الرئيس ميشال عون على تجاوز عدم ارضاء الثنائي الشيعي كسائر الأطراف في لعبة التوزير. هذا الأمر برز من خلال تريّث الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة مصطفى أديب تقديم تشكيلته للرئيس عون، بعدما تبلّغ صباحًا عدم موافقة عون على استفزاز أي طرف من الأطراف.
هذا التراجع في أجواء التأليف، والذي قد يصطدم في نهاية المطاف بفشل الرئيس المكلّف واعتذاره عن التشكيل، وبالتالي سقوط مسودة التسوية بين السلطة وفرنسا، سيكون له بالطبع ردود فعل محليّة ودوليّة على مختلف الصعد، أوّلها عودة التصعيد السياسي في الداخل، وربّما ارتفاع حدّة العقوبات الأميركية على حلفاء حزب الله، وربّما أيضًا ظهور عقوبات أوروبية تطال أكثر من طرف سياسي تحت عنوان عريض هو الفساد.
ما أظهرته مساعي التأليف بوضوح هو أنّ تيار المستقبل ممثلاً برئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة يشارك بشكل مباشر باختيار الأسماء وإدارة حركة الرئيس المكلّف، لا سيّما من خلال عدم مشاورته لأي طرف من الأطراف في الأسماء المرشحة وإصراره على مبدأ المداورة التي، وبحسب المعلومات يُراد لها أن ترسو على قريب السنيورة في وزارة المال، العقدة الأساسية التي أحرجت الثنائي الشيعي حتى أعلن خروجه من الحكومة على مضض.
المشهد الآن يفيد بالتالي: إمّا أن يتراجع مصطفى أديب ومن خلفه عن التعنّت في محاولة فرض تشكيلة وأسماء مرفوضة من الأكثرية النيابية وطرح أخرى بالتراضي، أو الإعتذار وتوجّه فريقه السياسي نحو التصعيد. الخيار الثاني سيكون عبارة عن طرح ورقة الاستقالات من المجلس النيابي، أمام رئيس المجلس نبيه برّي، الذي شكّل بالنسبة للفرنسيين رأس حربة “ممانعة إلغاء الثنائي الشيعي”.
وفي هذا الإطار، تفيد معلومات من فرنسا، أنّ الرئيس ماكرون وفريقه كانا قد تراجعا سابقًا عن فكرة الذهاب نحو انتخابات مبكرة نتيجة رفض السلطة لها وعدم حماسة بعض الكتل المعارضة للأمر، على أساس تشكيل حكومة اختصاصين حيادية كأولوية في هذا الإطار. وفي حال عدم تمكّن فرنسا الآن من فرض حكومة أمر واقع، فإنّ الأمور ستعود لنقطة الصفر، أيّ لما قبل جلوس ماكرون مع رؤساء الكتل في قصر الصنوبر. وعليه، وفي حال عدم الوصول إلى صيغة ما للتشكيل، قد تدفع فرنسا بكتل المستقبل والإشتراكي والقوات وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي للاستقالة من المجلس النيابي في رهانٍ على أنّ السلطة اليوم لن تذهب تجاه خيار انتخابات فرعية لعدد كبير من المقاعد، بل ستعمد مكرهةً إلى تقريب موعد الانتخابات النيابية.
هذا الأمر وفي حال حصوله، سيعني أنّ مساعي ماكرون في لبنان ذهبت مع الريح، وأنّ إمكانية جمع الموالاة بالمعارضة سقطت وعادت الأمور إلى مرحلة المواجهة. الأهم أنّ هكذا خطوة لا بدّ وأنّها ستثبّت حكومة تصريف الأعمال وترمي على عاتقها مسؤوليات جديدة في وقت كان وزراؤها يستعدّون لتسليم مكاتبهم لمن سيخلفهم فيها.
كل هذا يتوقف على الساعات الـ 72 المقبلة، هل ستُدوّر الزوايا أم أنّ الفشل سيكون حليف مصطفى أديب حتى قبل تشكيل حكومته؟ الأكيد أنّ سيناريو ما بعد الإعتذار بات واضحًا وعنوانه: قلب الطاولة على برّي.
ماهر الدنا