رابعة الزيات: الحملة المبرمجة ضدّي أتت مباشرة بعد حديثي عن الجمعيات المشبوهة
تحمّلت هجرة ولديّ لأني أرفض مبدأ الواسطة
تتعرّض الإعلامية رابعة الزيات منذ مدّة لحملة إعلامية شعواء، من قبل صحافيين وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
حملة بدأت مع صورتها بعد انفجار المرفأ فوق أنقاض المدينة، رغم أنّ الصّورة كانت ضمن حملة تبرّعات إنسانيّة، ولم تنتهِ الحملة عند حدود انتقاد آرائها بطريقة خرجت عن حدود النّقد، لتصبح أشبه بهجوم مبرمج غير عفويّ.
في حوار حصري لـ “احوال” تفتح رابعة قلبها وتردّ للمرّة الأولى على الهجوم ضدّها وعن رأيها بالثورة وما آلت إليه، وعن هموم البلد.
-تتعرّضين منذ مدة لحملة قاسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب آرائك التي تعبّرين عنها بصراحة. وكان آخرها ما ذكرته عن تركيز وسائل الاعلام اللبنانية على نسب المشاهدة (رايتينغ). هل هي حملة منظّمة ومن يقف وراءها؟
لست من الذين يؤمنون كثيراً بنظرية المؤآمرة ولا أحب تبنّيها، لكن نعم لاحظت هجوماً غير مبرّر على بعض الأمور التي صرّحت عنها. يمكن ان أعلّلها من نواحٍ عدّة، ربّما من منطلق الاختلاف السياسي أو عدم الاتفاق حول آراء معينة. فيحصل ما هو أشبه بالتكتّل ضد شخص معين، وهذه هي مهمة الجيوش الالكترونية عندما تقرّر هذه التكتلات الهجوم على أحد. ما صرّحت به عن موضوع “الرايتينغ” ليس جديداً أصلاً، وسبق ان تحدثت عنه في الاعلام اللبناني وقلت إنّ سيف الرايتينغ مسلّط على رقاب معظم الاعلاميين وخصوصاً العاملين في البرامج الترفيهية وحتى الاجتماعية. هذه حقيقة ندركها جميعنا، وكلنا أسرى هذه الحقيقة. إذا لم نحقق نسب مشاهدة عالية لا نستمرّ، هذا واقع. وكل من يعمل في المجال الاعلامي يعرف المنافسات أو الحروب التي تحصل لتحقيق أعلى النسب. الرايتينغ هاجس كل اعلامي اليوم خصوصاً في عالم الترفيه، مع الاشارة الى وجود بعض المحطات التي لا تركزّ أولاً وأخيراً على هذه النقطة… أنا مقتنعة بهذا الرأي وأقوله في كل مكان سواء في الاعلام اللبناني او السوري او اي اعلام آخر، لأني لم أعتد المواربة.
-النقد الذي طالك برأيك كان ردّ فعلٍ عفوي أو حملة منظّمة؟
لا أحب أن أصفه بالحملة. لكن أقول إننا بحاجة الى تحكيم العقل. الاختلافات السياسية لا تعني أن يحقد بعضنا على بعض. انا شخصياً قد أحب واحترم شخصاً أختلف معه بالسياسة الى درجة معاكسة، ما الذي يمنع. أحياناً أدخل الى حسابات المهاجمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأجد أنهم من خط سياسي مختلف تماماً… لا يستطيع أي شخص أن يبني رأيه بآخر استناداً الى الرأي السياسي… أين التنوّع والانفتاح والحرية التي ندّعي أننا نتسلّح بها في لبنان. أين الديمقراطية التي ندّعيها؟ من هنا أعود الى دولة الرئيس سليم الحص الذي قال “نحن لدينا الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية”. هذا ألاحظه كل يوم. هي دون شك حملة مقصودة بهدف الأذى، حتى أن البعض يتسلى بالتهجّم على الناس.
-تعرّضت أيضاً لحملة بسبب صورتك على أنقاض بيروت، رغم أنّ الصّورة كانت ضمن حملة إنسانية، لماذا لم تبادري وتربطي الصّورة بالحدث اتقاءً للهجوم؟
صحيح، كان ذلك ضمن حملة “انا بيروت” التي قام بها المصمم نجا سعادة، والفنانة التشكيلية ادريانا الحاج التي رست على العباءة، وقامت بتصويرها وتسويقها قناة “الجديد”، وكنت انا الوجه الاعلاني لها. وتم بيع الزي في مزاد علني مباشرة على القناة لدعم جمعية “كلنا لبعض” للاعلامية ماغي عون. وهي بدورها تبرّعت بالمبلغ للمساعدة في اعادة اعمار عدد من المنازل المهدمة جراء انفجار المرفأ. انا لم أنشر الصورة بل جرى تسريبها قبل بدء الحملة على التلفزيون. فانهالت التعليقات المسيئة التي اتهمتني أنني التقط صوراً في المناطق المنكوبة… يعني هل يعقل أن أفعل ذلك؟ لذا اضطررت الى شرح الهدف من الصورة لكنني فوجئت بكمّ التعليقات المسيئة.
_هل أنت نادمة على الصورة؟
رغم كل الإساءات وكل التشويه والتجريح الذي لحق بي، لست نادمة طبعاً ولم أكترث لأننا تمكنا من جمع أكثر من 125 مليون ليرة لبنانية لمساعدة المتضررين ولم اكتفِ بالتغريد والاساءة لغيري. والبعض لا يزال يرجمني حتى اليوم.
-كنتِ أوّل من أعلن عن جمعيات وهمية تسرق المساعدات المخصصة للمتضررين من انفجار مرفأ بيروت، لماذا لم ينل هذا الموضوع حصّته من التغطية على أهميته بينما جرى التركيز على توزيع الشاي على العسكريين؟
تحدثت عن موضوع الجمعيات لأني كنت أزور المناطق المنكوبة في شكل شبه يومي، واتحدث مع الناس وأسألهم: هل ساعدكم احد؟ فيقولون لي إن عدداً كبيراً من الجمعيات كان يأتي ويسجل الأسماء ويختفي بعد ذلك… حينها اطلقت هذه الصرخة وسألت عن هذه الجمعيات. لا أدين أحداً لكني أضع علامات استفهام. وتحدثت عن هذا الأمر في حلقة خاصة مع الزميلة جوزفين ديب عبر شاشة Otv .الغريب ان الحملة التي شُنّت ضدي أتت مباشرة بعد تلك الاطلالة..
-هل تربطين بين فضحك للجمعيات الوهمية والهجوم الذي تتعرضين له؟
بالتأكيد ليست كل الجمعيات وهمية، وعدد كبير منها يساعد وبشكلٍ فاعلٍ. لكن في لبنان هناك اكثر من 6000 جمعية، لو كل جمعية بذلت جهداً ولو قليلاً لكنا بألف خير. لهذا نضع علامات استفهام عديدة. ألا يكفينا فساد السياسيين واهمالهم وسرقاتهم التي اوصلتنا إلى هنا؟ كل هذا جعلنا نتواجد في الشارع في 17 تشرين… فيأتينا فساد بعض المجتمع المدني؟ من حقي ان أرفع الصوت واتمنى من الاعلاميين الذين يقومون بفتح الملفات أن يكملوا ملف فساد بعض الجمعيات.
-هذه الجمعيات الوهمية لماذا لا تسمونها بالاسم؟ وهل أنت مستعدة لجمع ملف كامل بهذا الخصوص والتوجه به الى القضاء؟
أنا لا أعرفهم ولست ضليعة في كيفية جمع ملفات من هذا النوع، أي الصحافة الاستقصائية. لهذا أحيلها الى الزملاء في مختلف وسائل الإعلام والذين يعملون تحديداً في الصحافة الاستقصائية لكشف ما يحصل وفضح هذه الجمعيات الوهمية. هذا ضروري وواجب علينا كإعلاميين.
-كنتِ من أشد المتحمسين للثورة في بدايتها. هل لا زلت متحمّسة أم أنّ وجهة نظرك من الثّورة تغيّرت؟
صحيح كنت من اوائل الذين شاركوا لأسباب مطلبية دون شك ولبناء وطن نريد بناءه لأولادنا، وطن لم نعشه نحن، وطن عابر للطوائف ضمن دولة مدنيّة تحترم حقوق الإنسان… وكان ضرورياً أن نتظاهر لقلب هذا النظام الطائفي البغيض والذي أعتبره أساس العلل. لكن وكما كل شيء للأسف، جرى تسييس جزء مما حصل، ووضعت الأحزاب يدها وصادرت جزءاً من الثورة، علما أنّني لا أسمّي ما حصل ثورة، بل حراكاً مطلبياً دخلت في جزء منه بعض الأجندات السياسية. لكن هذا لا يعني أنه يجب أن نشيطن الحراك. انا مع ان يتحد الحراك النظيف وان يكون لديه قادة يتحاورون مع السلطة أو ينقلبوا عليها لا يهم. لكن المهم أن نجد قادة ضمن مطالب موجدة.
-ما رأيك بمقولة إنّ الثورة لا تحتاج إلى قادة والتي تبنّاها الكثير من المتظاهرين؟
هذا الأمر يفشل الثورة بالتأكيد. اليوم نسأل كثيراً ما الذي تحقق؟ انا لا أدين أحداً لكن كان يجب على الحراك النظيف ان يقطع الطريق امام من استغلوه. وإن كان الحراك سيمنعني من الوصول الى المستشفى بالتأكيد انا ضدّه، والحراك الذي يتوجه ضد اناس ويستثني آخرين انا ايضاً ضدّه. اما ان يكون حراكاً مطلبياً جامعاً وشاملاً ضمن وعي او لا يكون.
-اليوم نعيش استقطاباً سياسياً حاداً، حيث يتخندق الإعلاميون في محاور ويقصفون على محاور أخرى، كيف تصفين الإعلاميين الذين يصوّبون باتجاه واحد ويدّعون محاربة الفساد؟
ان هاجمت طرفاً سياسياً واحداً دون آخر تسقط مصداقيتي في اللحظة ذاتها. لا أستطيع أن أركّز على طرف أو طرفين واهاجمهما كل الوقت، هذا الأمر مشكوك فيه طبعاً. ورأينا نماذج كثيرة فقدت مصداقيتها، وهم الذين ضربوا نظافة الحراك لأنهم مؤثرون وكلمتهم واصلة لدى متابعيهم. الانسان الواعي برأيي كشف النظيف من المأجور ومن استخدم أوجاع الناس بهدف الشهرة. اوجاع الناس ليست للتسلية، كل مواطن لبناني يعاني اليوم بطريقة او بأخرى، لكننا نحتاج الى الوعي. لست أدّعي الوعي أكثر من غيري، لكن عندما اطالب بالعدالة يجب أن ان اكون انا عادلة، وعندما أثور على الآخر يجب أن اثور قبل كل شيء على ذاتي، على مذهبيتي وطائفيتي ومعتقداتي الموروثة…
-تحدثت الاعلامية يمنى شري عن عرض تلقّته، تكتب ما يُطلب منها مقابل أجر مادي كبير. هل لديكِ فكرة عن هذا الموضوع وهل تلقيتِ عروضاً مماثلة؟
تصلني رسائل كثيرة تطلب مني مقالات معينة مقابل مبلغ مادي بالدولار الأميركي، فأقوم بحظرها فوراً دون أي رد. للأسف ما يتم عرضه عبارة عن رشوة وربما بعض النفوس الضعيفة تنساق، لكن النظيف يبقى نظيفاً مهما كانت المغريات ويعيش بكرامته.
-في الوقت الذي يتعرض فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لحملات تشهير وتشويه، فاجأتِ الجميع بكلامك عنه في آخر إطلالة تلفزيونية عندما تحدثتِ عن نظافة كفّه. هل تعتبرين ذلك جرأة؟
لا أدري أن كانت جرأة او صدقاً او قناعة… انا اعتبرها أمراً طبيعياً لأنني أتحدث عن رئيس جمهورية بلدي. ومن يعجبه كلامي أهلا وسهلاً، “واللي ما بيعجبو كمان اهلا وسهلا”. انا لا اتحدث لتحقيق مكاسب شخصية، بل على العكس تماما. والدليل ان كل من يتحدث عن الرئيس يتعرّض للهجوم والانتقاد. انا ادرك تماماً أن الرئيس عون شخص نظيف و “آدمي” وهذه قناعة. لكن هذا لا يعني أني لا أنتقده أو أوجه له رسالة. وانا أطلب منه أن يضرب بيد من حديد لأن الوضع لم يعد يحتمل. دخلنا في مرحلة الانهيار، “فرطنا” وأتى حريق المرفأ ليقضي على أي أمل. أنا لا أدينه لكن لأني أثق به وأعرف من هو الرئيس عون، أتمنى ان يتصرف، هو رئيس بلدي، ممن اطلب غيره؟ إن كانت هذه جرأة فليكن.
-هل تشجعين ولديكِ على البقاء خارج لبنان أم على العودة رغم كل شيء؟
أريد أن أشدد على نقطة مهمة، أنني إعلامية ولدي الكثير من المعارف والآراء السياسية والوطنية، لكني لم أقدم مرة رأياً سياسياً مقابل خدمة، والدليل هو سفر ولديّ. عندما أنهيا دراستهما الجامعية كان يمكن لي بكل بساطة أن أتصل بنائب أو وزير أو أي جهة سياسية ادافع عنها، وأطلب منها تأمين وظيفة محترمة لكل من ولديّ. لكني لم أفعل لأني أرفض تماماً مبدأ الواسطة. وقلت لولديّ كريم وعلي أنه يمكن إيجاد طريقة للسفر وتأمين فرصة عمل في الخارج وهذا ما حصل، لأني بالأساس أرفض القيام بأمور أنا ثائرة ضدها، كالمحاصصة والواسطة والفساد والزبائنية. اضطرا للسفر واضطررت أنا لدفع ثمن غيابهما عني، وهما أيضاً يتحملان بطبيعة الحال هذا البعد. الأزمة الاقتصادية يمكن تخطيها لكن تحقيق الاستقرار هو الأصعب، وقد يكون الأمر الوحيد الذي قد يدفعني الى التفكير بالهجرة. هو صراع نعيشه انا وزوجي لأنه ليس من السهل ان نترك بلدنا، أتمنى ألا يدفعونا الى اتخاذ هذا القرار المؤلم.
رولا نصر