منوعات

سعر صرف الدولار بين المضاربين وتعهدات حكومية مبهمة

دعوات للمواطنين بالحفاظ على دولاراتهم ما لم يتم توحيد سعر الصرف

أسبوعٌ من الترقب المالي عاشه اللبنانيون بعد أسبوع على تشكيل حكومة “معًا للإنقاذ” ليتبينوا قرشهم الأبيض من دولارهم الأسود. وفي البيوت اللبنانية سؤال واحد لا غير “نزل الدولار أو طلع؟”. الدولار استجاب للدعوات فانخفض على حياء وفوضى بين تغييرات سعرية غير مفهومة وفي الكواليس المالية يتم الحديث عن ضخّ أموال كثيرة بالعملات الصعبة في الأيام القليلة الماضية، ما أعاد ترتيب الوقائع في سوق القطع،

وفيما يلحظ بعض الصرافين أن الدولارات المتواجدة في السوق خلال الأيام الماضية تبدو كما يميّزها التغليف أي أن مصدرها المصارف والمصرف المركزي في السوق، ما يعّزز فرضية اللعب بسعر الصرف غير المنطقي في الأيام الماضية.

بعد تشكيل حكومة “أفضل الممكن” كما وصفها رئيسا الجمهورية والحكومة وانتظام الحياة السياسية بوجود حكومة تعمل وتأخذ القرارات، استبشر اللبنانيون جرعة “خير” غير مفرطة لبدء تحسين أوضاعهم المالية. وأولى الإشارات كانت انخفاض سعر صرف الدولار في بلد “مدولر” والعملة الصعبة فيه هي الماضي والحاضر والمستقبل والأمن والأمان لكل مقيم على أراضيه.

لكن هذا الانخفاض، الذي خلّف طوابير على أبواب محلات الصيرفة، وتذبذبه ضمن هامش معيّن جديد “فوق 15000 وتحتها” ليس حالة صحيّة ولا أسس اقتصادية له. الأمر بحت سياسي ومفتعل وغير دائم بحسب الخبراء الذين حذروا مرارًا من بيع مدخرات الدولار المتوفرة لدى المواطنين.

الاستقرار السياسي الذي يحتاج إليه استقرار صرف العملات عند مستويات منخفضة لا بدّ أن ينعكس بالعمل الجاد داخل الحكومة، وفي طلائع أعمالها تنفيذ الاصلاحات المطلوبة وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإطلاق البطاقة التمويلية لرفع الدعم عن المحروقات (المرفوع مواربةّ)، والأهم تحويل أموال المساعدات العربية والدولية للبنان، من بينها إيداع مبلغ المليار و135 مليون دولار من صندوق النقد في مصرف لبنان.

رفع الدعم السيف الذي سيضرب أحوال المعيشة، بسبب ارتداده على سعر الصرف في السوق السوداء التي يلجأ إليها التجار لاستيراد المواد المطلوبة. كما أن ارتفاع سعر المحروقات سيؤثر على كافة نواحي الحياة.

هل سيُعاود الدولار ارتفاع؟ يعتمد ذلك على عمل الحكومة والمناخ السياسي. وإيجاد حلول تُحسّن الوضع النقدي، مثل ملف المحروقات والمدارس والنقل وغيرها. وفي حال تعثّرت الحكومة في هذه الملفات، ذلك سينعكس سلبًا على سعر الدولار.

بعد قرار الحكومة اللبنانية زيادة أسعار الوقود بنسبة 38 في المئة، أي رفع الدعم دون إعلانه صراحةّ،  وربطًا بقرار رفع الدعم عن المازوت وبيعه بالدولار، يتساءل الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان عن خطوة “اتخاذ القرارات بشكل غير سليم؟ فالمازوت مادة حيوية تحتاجها الافران والمستشفيات كان لا بد من رفع الدعم تدريجيًا عن هذه المادة مع التشدد بضبط الهدر”. معتبرًا أن هذه “سياسات خاطئة وقرارات متهورة”.

أمّا الإصلاح ومواجهة الانهيار المالي والنقدي فيتحققان عند تسديد الودائع الدولارية (وقيمتها ١٠٥مليار) بالدولار نفسه، كما يرى أبو سليمان “من هنا يبدأ الاصلاح، المحاسبة وتوزيع الخسائر بطريقة عادلة. وأي مقاربة اخرى، هي بمثابة ذرّ الرماد في العيون واستكمال لعملية نهب المجتمع”.

عدم اتخاذ إجراءات جدية منذ سنتين لليوم وبعد 13 شهرًا من غياب السلطة التنفيذية والمناكفات السياسية، فُتِح الباب أمام المضاربين للتحكم بسعر صرف الدولار حسب مصالحهم. وما يجب العمل عليه اليوم بحسب الخبير الاقتصادي ​نسيب غبريل​ هو “إلغاء أسواق سعر الصرف الموازية، من خلال توحيد سعر صرف الدولار”، على أن “تتفق الحكومة عبر ​وزير المالية​ مع ​مصرف لبنان​ على آلية للتوحيد، بناءً على تطلعات ​صندوق النقد​ بالتوازي مع مباشرة المحادثات معه”.

في البيان الوزاري للحكومة الجديدة إشارات لا تبشّر بخير التحولات حول الإصلاح المالي وهيكلة القطاع النقدي “البيان الوزاري لا يُظهر أن الحكومة بوارد توزيع الخسائر وأخشى أن تكون المفاوضات مع صندوق النقد كسابقاتها”، يقول أبو سليمان.

بهمّة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي وضع مسار إدارة الانهيار وتداعياته، تعدّدت أسعار الصرف. وهي ظاهرة غير مسبوقة لإخفاء الخسائر المالية، والتكبّر عن الإقرار بها وإخفائها عبر تضخيم الأسعار.

ومع تسلّم الحكومة الجديدة مهامها، لا يبدو أن وضعه سلامة سيُستبدل بمسار جديد للتعافي المالي، بل على العكس فإن الفريق الحكومي كما يراه خبراء ماليون يتناغم مع هندسات حاكم النقد اللبناني وسيقتصر عملها على المزيد من إخفاء خسائر القطاع المصرفي وتحميلها للقاطنين على الأراضي اللبنانية، ومزيد من الاستحواذ على الأملاك العامة، وإزاحة التدقيق الجنائي عن دهاليز مصرف لبنان، وتشديد درع الحماية على المصارف المفلسة دون إعادة هيكلة القطاع. بالتزامن ستقوم الحكومة بالشراكة مع القطاع المالي بتنفيذ مشاريع حلول “مخدّرة” وآنية لا تحل الأزمة جذريًا عبر تنفيذ البطاقة التمويلية، وضبط سعر الصرف ضمن هامش معيّن وإنشاء محطة إنتاج كهرباء والسير بمفاوضات لا بدّ منها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرضٍ.

وما تقدّم يعني المزيد من التدهور المعيشي وضرب ما تبقّى من قدرات حياتية لدى السكان، وضرب القطاعات الاقتصادية، بخاصة أن قرار رفع الدعم كاملًا بات أمر حتمي، فيما بدأ رفع الدعم عن المحروقات، من دون دروع حماية للمواطنين مثل بطاقة للدعم المالي، وإيجاد مصادر للطاقة البديلة وإطلاق خطة للنقل العام وزيادة إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان.

لا لليأس والنكد، يطلب الحكّام من دون أن يكون للبنانيين بوادر حسّية وخطوات ملموسة للأمل بغد أفضل، والعيون السياسية شاخصة على الظفر السياسي وعلى ما سيحققه كل فريق خلال الانتخابات النيابية، في هذا الوقت يطلب الخبراء من المواطنين الحفاظ على عملاتهم الصعبة إن وجدت لديهم وادخارها دون التهافت على صرفها في السوق السوداء طالما أن كل حاجاتهم يتم استيرادها بالدولار.

 

رانيا برّو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى