ميقاتي يسأل: قولك في حكومة؟!
باتت أحجية الحكومة مملّة ومكلفة في الوقت نفسه بعدما سقطت حتى الآن كل المواعيد التي ضُربت لتشكيلها.
“اذا مش الاثنين، الخميس.. واذا مش هيدا الأسبوع، اللّي بعدو أكيد”… على هذا المنوال مرّت الأيام والأسابيع هباء منثورًا، حتى أصبح الوقت الضائع يساوي أكثر من عام منذ تكليف السفير مصطفى أديب ثم الرئيس سعد الحريري وصولًا إلى “آخر العنقود” ربما الرئيس نجيب ميقاتي.
وعندما يكون الانهيار كبيرًا ومدويًا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي كما هو الوضع في لبنان، فإنّ سنة من العبث السياسي تكاد تعادل عمرًا، وتعويضها ليس سهلا في حسابات الإنقاذ التي ترتكز بشكل أساسي على اتخاذ القرار السليم في التوقيت الصحيح. والخشية هي أن تأتي تركيبة الحكومة، بعد كلّ هذا المخاض والانتظار، مخيبة للآمال وقاصرة عن مواجهة الأزمة وتداعياتها، خصوصًا أنّ العارفين ببطانة الأسماء المرشحة للتوزير وسيرها الذاتية، ينبهون في مجالسهم الخاصة إلى أنّ بعضها لا يتناسب مع متطلبات هذه المرحلة ولا يملك المؤهلات المطلوبة للانخراط في ورشة الإنقاذ المفترضة.
وبناء عليه، ليس كافيًا أن تكون صاحب اختصاص أو حامل شهادات حتى تنجح في الوزارة التي هي موقع سياسي بالدرجة الأولى وإن كان من سيشغلها في هذه المرحلة هم تكنوقراط، وبالتالي ما لم يمتزج الاختصاص الأكاديمي والمخزون العلمي بالشخصية القوية والخبرة العملية، يبقى الوزير مجرد موظف تقني و”ملحق”، يتأثر بذبذبات أجهزة الإرسال السياسي المزروعة في “التلال الحزبية” المطلّة على مجلس الوزراء وليس أددلّ على ذلك من تجربة عدد من وزراء حكومة الرئيس حسان دياب.
وأسوأ ما في الأمر أنّ معاناة اللّبنانيين المستفحلة على كل الصعد خفضت سقف طموحهم إلى درجة أنّهم صاروا مستعدّين للقبول بأيّ حكومة، من دون التدقيق في هويات وزرائها ومواصفاتهم، على قاعدة أنّ وجود حكومة ولو كيفما كان يظل أفضل حالًا من الفراغ وأقل كلفة من استمراره.
وبهذا المعنى، فإنّ الحكومة المقبلة، إن تشكلت، ستتولى على الأرجح إدارة الأزمة، لا معالجتها، خصوصًا أنّ الفترة الفاصلة عن موعد وصول “منخفض” الانتخابات النيابية باتت قصيرة ولا تسمح بتحقيق إنجازات نوعية.
وفيما يتواصل السباق بين المتفائلين بولادة الحكومة قريبًا وأصحاب النزعة التشاؤمية، كان لافتًا خلال الأيام القليلة الماضية حضور الشأن اللّبناني بقوّة أثناء الاتصال الهاتفي بين الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون اللّذين التقيا على ضرورة تشكيل الحكومة.
ولئن كان البعض قد افترض أنّ الغطاء المشترك الممنوح للحكومة من طهران وباريس سيعجل في ولادتها، إلّا أنّ أحد المواكبين لكواليس المفاوضات في بيروت اعتبر “أنّ اندفاعة ماكرون ورئيسي، والرسائل الأميركية، ومساعي الوسطاء المحليين، كلّها يمكن أن تتعثر عند وسوسات ووشوشات شيطان التفاصيل الداخلية، وإصرار هذا أو ذاك على نيل هذه الحقيبة أو تلك.”
ولعلّ المفارقة التي تختصر غرائب اللّغز الحكومي، هي أنّ الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي أنهى مكالمة هاتفية مع أحد الإعلاميين قبل أيام بسؤاله بين المزاح والجد: قولك في حكومة؟!.
عماد مرمل