الفرار من الأجهزة الأمنيّة: هل الأمر مقلق وماذا عن الـ 57 مليون دولار؟
لم يعد الإقبال على الالتحاق بالجيش والقوى الأمنيّة أمراً مرغوباً، رغم أن الضائقة المعيشية قد شدّت الخناق على اللبنانيين، لاسيما في المناطق والأرياف الأقل تنمية.
فبعد أن كانت هذه الوظيفة الرّسمية، مقبولة نسبيّاً، لما تؤمّنه من مردود ماديّ، وضمان صحّي واجتماعي شامل، أصبح الموظفون في الأسلاك الأمنيّة والعسكريّة يعيشون حالة من الخوف، بعد أن أصبحت ضماناتهم ورواتبهم الشّهريّة بلا قيمة. الإنهيار وضعهم أمام خيارات صعبة، دفعت بعضهم للتّخطيط للفرار تماماً كما فعل رفاقهم على مدار السّنتين الماضيتين، بحثاً عن مصدر رزق أفضل.
لا عودة عن الفرار
حسين، عنصر فار من قوى الأمن الدّاخلي، ملاحق قانونياً بسبب عدم التحاقه بالخدمة منذ حوالى 9 أشهر، لكن الظّروف المعيشيّة الصّعبة، دفعته للبحث عن مصدر رزق آخر، يمكّنه متابعة علاج والدته التي تعاني من أمراض مزمنة، وحاجتها لأدوية شهرية، وبما أن راتبه لا يكفي لتسديد نفقات الدّواء والعلاج، أضطّر للهروب من الخدمة، والعمل في مجال سمسرة العقارات.
ويقول حسين “كل ما يجرى من أحداث ومعاناة، تجعلني متمسك أكثر بقراري، أعلم أنّني مخالف للقانون، لكن بقائي في المؤسسة، براتبي الخجول، قد يفقدني حياة والدتي التي تحتاج للعلاج الدّائم، في ظل تردي الأوضاع، وغياب دور الدولة الفاعل في تأمين أدنى متطلبات الحياة”.
ويتابع “الواقع اليوم يضعك أمام خيارين، إما الفرار بطريقة مخالفة للقانون، أو اللّجوء إلى طلب التّسريح القانوني المرفوض سلفاً منذ سنوات، بسبب أوضاع البلاد، فلجأت الى الخيار الأول رغم مخاطره”.
تخطيط للفرار
أمّا أحمد، ضابط برتبة نقيب في قوى الأمن الدّاخلي، فيؤكّد سعيه “للسّفر إلى أميركا، حيث عائلة زوجتي علني أستطيع تأمين مستقبل أفضل لأولادي” فيما يقول ضابط آخر أنّه “مستعدّ لترك السّلك العسكري عند أوّل فرصة تقدّم لي “بلا ما إتطلع ورايي” لأنّ العيش في لبنان أصبح لا يُطاق”.
المعلومات نفسها تتكرّر في الجيش والأمن العام، حيث عشرات العساكر والضّباط ينوون “هجر” مؤسساتهم، بعد أن أصبحت رواتبهم لا تكفي إشتراك الكهرباء، في ظل غياب الخطط الجدّية، لمواجهة الأزمات المتتالية التي تضرب لبنان. فهل تواجه المؤسسات الأمنيّة والعسكريّة خطر التّفكك؟ هل نسبة “التسرب” مقلقة؟ وماذا لو أصبح حارس القانون فاراً منه؟
ارتفاع عدد الفارّين
العميد المتقاعد نزار عبد القادر يقول لـ “أحوال” “إنعكست الأزمتين الاقتصاديّة والماليّة على العسكريين والقوى الأمنيّة، الذين يشكّلون النّسبة الكبرى من موظّفي القطاع العامّ في الدّولة، ما أدّى إلى ارتفاع عدد الفارّين من أداء الخدمة العسكريّة خلال العامين الماضيين، فانعكاسات انهيار صرف اللّيرة اللّبنانية والتّرددات التي تركتها الأزمات التي ضربت لبنان، واحدة تلو الأخرى، أثّرت على المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة، تماماً كما على القطاعات الخاصّة والعامّة.
ويتابع عبد القادر “بعض العسكريين اختاروا مهن بديلة تسمح لهم بتوفير دخل إضافي لتأمين لقمة عيشهم، بعد أن أصبحت رواتبهم في الحضيض، صحيح أنّ الجندي يؤخذ عن طريق القلب، ولكن القلب يجاور المعدة”. ويضيف “الفرار ظاهرة طبيعيّة، الأعداد حتى الآن غير مقلقة، لكن ارتفاعها تباعاً ينذر بإضعاف الجيش أو انهياره، كما حدث في سنوات الحرب”.
مبدأ التّسامح
من الواضح أنّ القيادات المباشرة للعسكريين تعتمد حتى الآن مبدأ “التسامح” وغض الطرف وتفهم أوضاع الجنود والمرونة معهم من خلال تخفيف ساعات الخدمة في المراكز العسكرية ومنحهم فرص عدم الحضور يومياّ توفيراً للنقل.
57 مليون دولار للجيش
في التوجه العام الداخلي والخارجي ستكون الأولويّة للجيش اللّبناني، إذ يشير عبد القادر إلى “توجّه أميركي، بإعطاء الجيش مبلغ قد يصل إلى 57 مليون دولار، هذه الأموال قد تساعدهم على مواجهة الحالة الطارئة حتى نهاية العام 2022”.
ويبلغ متوسط الأجر الذي يتلقاه العنصر في الجيش اللّبناني أو باقي الأجهزة الأمنية نحو مليون و200 ألف ليرة لبنانية (55 دولار تقريباً)، يرتفع أو ينخفض بحسب الرتبة ويتجاوز المليونين بالنسبة للضّباط.
في المقابل، يوضح مصدر عسكري لموقعنا أن “الفرار من المؤسسة العسكريّة موجود منذ نشأتها، هناك العديد من الأشخاص يفرّون من الجيش لعدم قدرتهم على تحمّل الحياة العسكريّة”. ويضيف “تعداد الجيش اللّبناني يوازي نحو 65000 ألف عنصر، ومجموع عناصر القوى العسكريّة نحو 120 ألفاً”. وإذ يرفض المصدر الحديث عن “أعداد الفارين من القوى العسكريّة، كونها لم تصدر ضمن بيانات رسميّة” ويقلل المصدر من أهمية هذه الأعمال الفردية، لأن “الفرار من المؤسسة العسكرية ليس بالأمر الجديد”.
ويتابع “فرضت الضائقة الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد ازدياد حالات الفرار، إلا أنّ الأرقام تبقى غير مؤثرة حتى الآن، ومن الجدير التأكيد على أن بعض العسكريين الذين فرّوا من الجيش تقدموا بطلبات استرحام للعودة إلى المؤسسة، بعد أن اصطدموا بواقع الحال خارجها”.
الإنهيار آتٍ؟
المصدر المتابع يوضح أنه “خلال العام 2011 شهدنا حملات تحريضيّة واضحة وعلنيّة من قبل منظّمات إرهابيّة، عبر مواقع التّواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، تدعو العسكريين للانشقاق عن الجيش والالتحاق بصفوفهم، إلا أن الجيش لم يتأثر حينها، اليوم ورغم كل الدّعوات والمطالبات بالانقلاب العسكري، ولا يزال الجيش صامداً. لكن إن استمرّ تدهور الوضع الاقتصادي والمالي، في ظلّ عدم اتخاذ إجراءات لمعالجته، فهذا سيؤدي حتماً إلى انهيار المؤسسات، بما فيها المؤسّسة العسكريّة، ما يعني انهيار لبنان بأكمله”.
ويتحدث المصدر عن “توجه لدى قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي لفتح باب التبرعات العينية والماديّة لمساعدة العسكريين لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تهدّد الأمن الاجتماعي للعسكريين”.
ناديا الحلاق