انتخابات

ترشيحات الكورة النيابية:  ثبات قواتي وتردد قومي وحيرة “المردة”

لطالما شكّل قضاء الكورة منذ القرن الماضي علامة فارقة لجهة حجم مساحة الحريّة للحياة الحزبية، فيما كان الاقطاع العائلي في الاقضية المجاورة يتصدى بكل ما أوتي من قوة لتمدّد الحياة الحزبية.
أحد تجلّيات هذه المساحة يظهر جلياً في استحقاقات الانتخابات النيابية خصوصاً بعد العام 2005 حيث كسرت الاصوات في صناديق الاقتراع الانطباع السائد بالصبغة “السورية القومية الاجتماعية” للقضاء، مع عودة “القوات اللبنانية” من الحظر والعماد ميشال عون من المنفى وفتح اللعبة السياسية على مصراعيها للتلاوين السياسية كافة.

اليوم بدأ العد العكسي للاستحقاق النيابي في ربيع العام 2022، فكيف يتبلور مشهد الترشيحات في الكورة؟ هل حسمت القوى السياسية أسماء مرشحيها؟ هل ثمة إنعكاسات لـ17 تشرين؟ هل من خلط أوراق تسببت به؟

من حيث عدد الاصوات في صناديق الاقتراع وليس من حيث عدد الناخبين على لولائح الشطب، تحلّ انفة في المرتبة الاولى واميون في المرتبة الثانية وكوسبا في المرتبة الثالثة.

“القوات اللبنانية” حسمت أمرها بترشيح إبن أميون النائب السابق الدكتور فادي كرم الذي حصد 7822 صوتاً تفضيليا اي 30.6% من مجمل اصوات القضاء، لكن طبيعة القانون القائم على الحواصل ادت الى سقوطه رغم انه حلّ اولاً في الكورة بفارق كبير عن الثاني اي النائب سليم سعادة الذي نال 5263 صوتاً اي 20.6% من الأصوات.
مع الاشارة الى حرصها منذ عدم وصول كرم الى الندوة على اعطائه حيزاً كبيراً حيث تم تعيينه أمين سر تكتل “الجمهورية القوية”، وهو نجح بترجمة حضوره السياسي عبر الاطلالات الاعلامية وحافظ على دوره المناطقي كمؤتمن على 7822 صوتاً.

أما بالنسبة لـ”السوري القومي الاجتماعي” – القوى الانتخابية والحزبية الثانية – فالكورة هي الدائرة اليتيمة في لبنان التي يحافظ فيها على ثقل انتخابي وإن كان بحجم نصف حاصل، لكن نائبه يشعر انه منطلق من ارض قومية صلبة لا كزميله اسعد حردان في دائرة حاصبيا – مرجعيون الذي يحجز له “حزب الله” مقعداً أياً كان القانون ويمده بالاصوات اللازمة ولا كبعلبك – الهرمل حيث أرغم “القومي” على التخلي عن مقعده لمصلحة النائب البير منصور الذي لا يمت تاريخياً بأي رابط به.

مصادر متابعة تفيد بأن قوميين كثر يطمحون الى الترشح ابرزهم غسان رزق وحسان صقر ورئيس بلدية اميون، لكن يبقى النائب سليم سعادة الاسم القوى كونه يستطيع جمع كافة اجنحة الحزب كما في انتخابات العام 2018 ، مع الاشارة الى ان الخلافات الداخلية ازدادت في الاونة الاخيرة خصوصاً مع وصول القيادة الحالية وربيع بنات الى رئاسة الحزب والاشتباك القائم مع النائب حردان.

تضيف المصادر: “سعادة يحظى باحترام واسع في الكورة لناحية دماثة الاخلاق وكونه بإن القيادي القومي الراحل عبدالله سعادة ولا علامات استفهام عن اي منافع شخصية له من مغانم الدولة، كما هي الحال بالنسبة لصقر الذي يحكى عن استفادته من استلام القوميين لوزارة العمل من اجل تحسين اشغاله الخاصة. كما أن من نقاط ضعف صقر أنه من كفرحاتا والحزب القومي يفضّل السير بمرشح من اميون لأن المرشح القواتي منها. كذلك ان تسمية سعد الحريري ثم نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة من قبل سعادة وكتلة القومي النيابية لاقت امتعاضاً من القوميين خصوصاً انها تخالف توجهات الحزب. لكن في نهاية المطاف، ثمة تعويل على ارتفاع الانضباطية الحزبية في صفوف قوميي الكورة والالتفاف حول اي مرشح رسمي للحزب”.

من جهته، “تيار المردة” في حيرة من أمره ولم يحسم خياراته. فمرشحه المنطقي هو حليفه النائب فايز غصن ولكن ألاخير يعاني من حالة صحية دقيقة ولم يحسم أمره بعد في ظل صعود نجم وزير الاشغال الحالي الدكتور ميشال نجار.

لغصن حيثية بذاته وبعضها يعود كونه صهر النائب السابق باخوس حكيم حليف سليمان فرنجية الجد. مصدر مطلع يشير الى ان الاصوات التي يحصدها في بلدته كوسبا – وتقارب 700 صوت – تصب لشخصه وليس كونه مرشح المردة وكذلك في رشدبين وعين عكرين على سبيل المثال. من 4224 صوتاً تفضيلياً يرجح ان الف صوت تعود لغصن وليس للمردة.

مع توزير نجار ابن بشمزين وسع “المردة” مروحة خياراته وتتوقف المصادر عن تقاطعات عدة في شخص نجار قائلة: “الروابط العائلية عامل قوة له، فشقيقته تكون زوجة شقيق نائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري حيث حكي في الدورة الماضية حين عزف مكاري عن الترشح ان يكون نجار او مدير مكتب مكاري المهندس نبيل موسى مرشحاً عن تيار المستقبل. في المقابل، ابن شقيقته جواد مكاري المعروف بـ “جودي” على صداقة قوية بطوني فرنجية الى درجة انه اختاره ليكون عراب ابنته”.

لذا على “المردة” الاجابة على اسئلة عدة إن كان القرار بعدم ترشّح فايز غصن، منها: “هل ينجح المردة بعدم ترشيح غصن مع الحفاظ على اصواته ويستطيع الا يسير بمرشح من خارج كوسبا ام يضطر الى السير  بمرشح من  آل غصن وتحديدا من جبّ فايز؟ هل يختار نجار كتقاطع انتخابي مع “المستقبل” وعضو اكيد في كتلته؟”.

في الدائرة التي تخلو من مقعد سني، تيار “المستقبل” امام خيارين إما تثبيت حجمه عبر مرشح له مع صعوبة فوزه أو تجيير اصواته حيث يحكي “المستقبل” عن امتلاكه 5 الاف صوت سني بين البترون والكورة وزغرتا. مع القرار المحسوم بأن الحريري لن يكرّر تجربة العام 2016 حين طلب من مناصريه التصويت لصديقه جبران باسيل.

“التيار الوطني الحر” الذي حصد 3383 صوتاً تفضيلياً نالها النائب جورج عطالله عام 2018 رغم زخم انطلاقة العهد يؤكد المصدر “ان صناديق الاقتراع وحدها ستكشف صحة ما يحكى عن تراجعه في ظل إنقلاب تمثيله للعهد من نعمة الى نقمة لا بل لعنة” مشيراً الى أن “التيار” شبه مغيب على مستوى المنطقة مقارنة بباقي القوى السياسية.

“الكتائب” في الكورة حزب تاريخي ولكنه أصبح شعبياً من التاريخ حيث حصد مرشحه البر اندراوس 442 صوتاً فقط.

الحزب الشيوعي ليس أفضل حالاً، ففي الاساس إختار شيوعيو الكورة التيار السيادي بمعظمهم فإنضوا في “حركة اليسار ديمقراطي”، لكن حجمهم الانتخابي أكثر من متواضع حيث حصد مرشحهم جورج منصور 305 أصوات تفضيلية عام 2018.

النقمة على الطبقة السياسية الحكمة ومنظومة الفساد التي أوصلت البلاد الى ما هي عليه حاضرة في أوساط أهل الكورة، لكن اي اطار جدي لـ “17 تشرين” لم يتبلور حتى الساعة ولا أسماء لافتة لخوض الاستحقاق الانتخابي. كما ان الارض في الكورة لا تنطلي عليها “مزحة” تمثيل بيوت سياسية  وزعامات إقطاعية و “حزبية” للمجتمع المدني، لذا ما يحكى عن تشكيل رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض او “الكتائب” لائحة مجتمع مدني أو “17 تشرين” في الانتخابات المقبلة لا تلقى إستحساناً في صفوف الناقمين على الطبقة السياسية. فهل تنجح قوى “17 تشرين” بترشيح وجوه مقنعة والتسويق لها لكسب عطف الناقمين ام يداهمها الوقت؟!

إختيار المرشحين، نسج التحالفات، رسم الخطاب الانتخابي – فلا مشاريع انتخابية جدية في لبنان – عوامل ستبلور المشهد الانتخابي في الكورة، لكن ثمة عامل اساسي في انتخابات 2022 هو “الجو العام” في البلاد. هنا صلب المعركة هل ستنجح قوى “17 تشرين” بمخاطبة ابناء الكورة؟ ولكن في الاساس هل ستتوحد على طرح ومرشح؟ هل ستحصد “القوات” ما تزرعه من تمايز عن افرقاء السلطة؟ في المقابل، هل “القومي” و”المردة” والعوني و”المستقبل” سينجحون بصد الهجمات عليهم كأهل الحكم وهم الذين ما زالوا يلعبون ادواراً في تسمية الرؤساء المكلفين وفي تشكيل الحكومات – كل وفق حجمه – حتى الساعة؟

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى