مجتمع

نيران “جهنّم” تخلّف كارثة بيئيّة

أكثر من 50 هكتارًا من الأشجار الحرجية والأزهار والنباتات النّادرة والغطاء النباتي الأخضر قضى عليها الحريق الذي اندلع يوم الإثنين الماضي، في 2 آب الجاري، في وادي جهنّم، الفاصل بين بلدة القمامين في الضنّية وبلدات حرار ومشمش وفنيدق في محافظة عكّار، تاركًا وراءه كارثة بيئية وطبيعية كبيرة لن يُعرف حجمها قبل إخماد الحريق بشكل نهائي، ومعاينة ومسح الأضرار، يبدو بأنّها لا تقلّ عن الكارثة البيئية التي ضربت القبيّات وعندقت وأكروم في أقصى شمال عكّار الشهر الماضي.

الوادي الذي يعرف بهذا الاسم نظرًا لوعورة دروبه ومسالكه وصعوبة الوصول إليه، يعرف أيضًا باسم “وادي الزهور”، لاحتوائه على زهور ونباتات نادرة مثل “الغبيرة” و”الكشمش” و”الحباحب الذهبية” التي تنمو بين صخور الوادي ونتوءاته، وكونه يعتبر من الأماكن القليلة في لبنان التي تأوي إليها حيوانات برّية بدأت بالتناقص والانقراض، فضلًا عن كونه الأعمق في لبنان، ويمتد على رقعة جغرافية يبدأ ارتفاعها من 850 متر فوق سطح البحر، أسفل بلدتي القمامين وحرار، صعودًا إلى أعلى نقطة فيه والتي تصل إلى 2000 متر فوق سطح البحر، التي تفصل بين خراج بلدات القمامين ومشمش وفنيدق على التوالي.

لكنّ هذا الحريق يتوقع تمدّده وقضائه على مساحات حرجية إضافية، ومنها غابة أرز القلة في سفح بلدة حرار التي وصلت إليها نيران الحريق، واقترابه تدريجيًا من المناطق السكنية، وسط صعوبات كبيرة تواجه عناصر الدّفاع المدني وموظفي مراكز الأحراج ومتطوعي “جمعية درب عكّار” في الوصول إلى مواقع الحريق، حيث تقتصر الجهود الجدّيّة والفاعلة على طوّافات الجيش اللّبناني، إلّا أنّها غير كافية ما لم تواكب بجهود على الأرض، غير موجودة حتى الآن، من قبل عناصر بشرية تعمل على عزل النّار وإخمادها على نحو تدريجي.

الناشط في “جمعية درب عكار” خالد طالب، الذي يعمل مع ناشطين ومتطوّعين من الجمعية لإخماد الحريق، أوضح لـ”أحوال” أنّ “الحريق اندلع بداية من أسفل الوادي قبل أن يمتد صعودًا”، لافتًا إلى “صعوبات تواجه من يعملون على الأرض لإخماد هذا الحريق، بسبب وعورة المنطقة، وانهيار صخور من جانبي الوادي بفعل الحريق، عدا عن الدخان الأسود الذي غطّى مساحة واسعة من الوادي وأعاق عملنا، ما يجعل عمل المتطوّعين على الأرض محفوفًا بالمخاطر”.

ومع أنّ طالب يرجّح أن تكون “أسباب اندلاع الحريق مفتعلة”، فإنّه يلفت إلى أنّ “جهود المتطوعين استطاعت السيطرة على الحريق ومنع تمدّده في مساحة تقارب 1000 متر تقريبًا، إلّا أنّ ذلك ليس كافيًا، ونحتاج إلى جهود أكبر لاحتواء الحريق قبل خروجه عن السيطرة ووقوع كارثة بيئية وصحية كبيرة”.

وأشار طالب إلى أنّ الحريق “قضى على مساحات واسعة من أشجار الصنوبر البرّي والسنديان والعرعر واللبّان، فضلًا عن أشجار غابة الشّوح والأرز الأكبر في المنطقة، والتي اقتربت النيران منها وباتت مهدّدة”.

وكانت “جمعية درب عكّار” قد أصدرت بيانًا بعد اليوم من اندلاع الحريق أوضحت فيه بأنّه “لقد استنزفنا، وتعرّض أحد أعضاء فريقنا لإصابة نتيجة الصخور المتساقطة بفعل النيران، وآلياتنا ومضخّاتنا نفد منها الوقود ولم نتلق أيّ مساندة حتى الآن، علمًا أنّ عدد المتطوعين الإجمالي لم يتخطَ الـ 20 متطوعًا، يكافحون بمفردهم أصعب التضاريس الجغرافية في لبنان التي يتعذر الوصول إليها سوى عبر آليات صغيرة رباعية الدفع ومجهزة”.

وطلبت الجمعية “المساندة والتكاتف لإنهاء وإخماد الحريق، خصوصًا عبر الاستعانة بالطوّافات، لأنّ عمل الفرق الأرضية محفوف بالمخاطر، وعملها محصور بكبح جماح النيران من التمدّد أفقيًا في الوادي”، مشيرةً إلى أنّ “أكثر الصعوبات التي واجهناها هي عدم وجود إرسال للهواتف الخليوية في المنطقة للتواصل والتنسيق وحتى طلب الدعم”.

 

 

عبد الكافي الصمد

 

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى