لطالما تم خرق قاعدة “المجالس بالأمانات” بعد وقت قصير من انعقاد اجتماعات على أهمية كبرى من المفترض أن تكون سرية.
اليوم، قررت أن أتخلى بدوري عن هذه القاعدة، لكن ليس بعد وقت قصير إنما بعد نحو 10 سنوات، لكن وللأسف من أبلغني بأسرار خطيرة عن رئيسي الـ”فيفا” السابقين البرازيلي جواو هافيلانج والسويسري جوزيف بلاتر قد توفاه الله بعدما وعدني بتسليمي وثائق تكشف أسراراً كثيرة من السرقات والفساد التي قام بها الرجلان لكن وفاته المفاجئة حالت دون الإيفاء بالوعد.
في العام 2010 جلست مع الصديق الراحل الياس زكور (أبو مخايل) ساعات طوال خلال إقامتنا في العاصمة الماليزية كوالالمبور خلال أيام سبعة على هامش “كونغرس الاتحاد الأسيوي لكرة القدم”.
كان الراحل (يحمل الجنسيات اللّبنانية والفرنسية والبرازيلية ومولع بالخيل وسباقات الخيل)، يثق بي ثقة عمياء وكنت أكن له كل الاحترام والتقدير، وكان من أقرب المقربين إلى هافيلانج وبحكم هذا القرب كان على واسع الاطلاع بما يدور في فلك الـ”فيفا”.
مما كشفه لي ابو مخايل:”إنّ هافيلانج فاسد كبير واستغل منصبه في الاتحاد الدولي لمصالح شخصية وأسس شركات تجارية له ولعائلته في البرازيل من أهمها شركات للنقل وكسب منها عشرات ملايين الدولارات”.
قلت له و كيف ذلك، أجابني:”في عهد هافيلانج ومعه بلاتر أميناً للسر لم يمر استضافة أي كأس للعالم إلّا عبر الرشى لرئيس وأعضاء الـ”فيفا” ناهيك عن رعاية الشركات والإعلانات والنقل التلفزيزني حيث كانت تدفع عشرات ملايين الدولارات كرشى للموافقة على العروض”.
وتابع:”كان هافيلانج ديكتاتورا يسيطر على الـ”فيفا” بكل مرافقه ولم يجرؤ أي عضو بمواجهته، وعندما كان يبرم الصفقات يكتفي بإبلاغ الأعضاء على قراره وكانت الموافقة تتم بالإجماع، طبعاً مع توزيع الحصص (…).
سألته، من كان يساعد هافيلانج في تنفيذ مخططاته، أجاب:”كان رئيس اتحاد الكونكاكاف التاريخي جاك وورنر الذراع اليمنى لهافيلانج وكان بمثابة شريك أساسي له وكذلك كان الأمين العام بلاتر، إلا أنّ خلافاً كبيراً وقع بين الإثنين عندما بدأ بلاتر يؤسس علاقات على حسابه الخاص فما كان من هافيلانج إلّا أن أوقفه عند حده تمهيداً لإقالته، إلّا أنّ أحد أصدقاء هافيلانج سعى إلى مصالحته مع بلاتر، وتمّ ذلك بعدما اتفق الرجلان على أحادية القرار لهافيلانج وما على بلاتر إلّا التنفيذ”.
في العام 1998 قرّر هافيلانج التنحي ورشح بلاتر لخلافته وانعقد كونغرس الـ”فيفا” في باريس والمخصص لانتخاب خليفة هافيلانج قبل انطلاق”مونديال فرنسا” بيومين وكان بمواجهة بلاتر رئيس الاتحاد الأوروبي السويدي لينارت يوهانسون، وكانت الأمور تتجه لمصلحة بلاتر بعد أن تمّ حشد الأغلبية اللّازمة وفاز بـ 111 صوتاً مقابل 80. بعد الانتخابات اتهم يوهانسون بلاتر وفريق عمله بشراء أصوات آسيا وأفريقيا التي أمنت الفوز لبلاتر بمواجهة أصوات أوروبا وأميركا اللّاتينية وطالب بفتح تحقيق إلّا أنّ الملف أُغلق.
يومها، كنت حاضرا الكونغرس من ضمن وفد الاتحاد اللّبناني، وقد تابعت خطاب هافيلانج الوداعي وأبرز ما قاله:”لقد تسلمت الفيفا في العام 1974 وهو في مكتب من ثلاثة غرف وبعض الموظفين وفي صندوقه 55 ألف دولار وها أنا اليوم أسلمكم الفيفا في مبنى يضم عشرات الغرف والقاعات ومئات الموظفين وفي صندوقه 8 مليارات دولار”.
ذكرت ابو مخايل بهذه الواقعة وهو أيضا كان من بين الحضور، وسألته عن رأيه بما حصل، فقال: “لو احتسبنا 10 بالماية عمولة عن المليارات الثمانية فإنّ حصة هافيلانج وشركائه هي 800 مليون دولار”.
عهد بلاتر
مما لاشك فيه، كانت “كاريزما” هافيلانج مميزة وجعلته أقوى نفوذاً من الأمم المتحدة، بعكس شخصية بلاتر الذي كان أقرب إلى المهرج منه كقائد، لكنّه تعلّم كثيراً من هافيلانج وأبقى على جاك وورنر كذراع أيمن له، وبدأ مشوار الفساد يرتفع تدريجاً في عهده إلى أن انفجر بوجهه وبوجه حلفائه في قضايا الفساد والرشى وتحديداً في ملف “قطر 2022″، حيث اعتقلت الشرطة السويسرية مجموعة من أعضاء الـ”فيفا” وشخصيات كروية أخرى ولم يستطع بلاتر ومعه رئيس الاتحاد الأوروبي ميشال بلاتيني الصمود طويلاً وتمّت محاكمتهما وإيقافهما عن العمل الإداري، وتوصل المحققون وتحديداً الشرطة السويسرية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “اف بي آي” إلى كشف أمور بالغة الخطورة فساداً ورشى عبر وثائق مدمغة لكن الملف أغلق بالكامل لأسباب سياسية (…)، وتمت الدعوة إلى انتخابات جديدة أتت بجياني انفانتينو رئيساً جديداً للـ”فيفا”.
رحم الله الصديق الراحل أبو مخايل، ولو قدّر له أن يسلّمني الوثائق والمعلومات قبل وفاته لأحدثت زلزالاً مدمراً، ولن أنسى ما قاله لي عن عملية الغدر والخيانة التي قام بها بلاتر بحق رئيس الاتحاد الآسيوي القطري محمد بن همام غداة ترشحه ضده لرئاسة الـ”فيفا” عبر تركيب ملفات ووثائق مزورة أدّت إلى إيقاف بن همام مدى الحياة، لكنّ الله يمهل ولا يهمل حيث دفع بلاتر بعد ذلك الثمن الكبير.
يوسف برجاوي