نانسي عجرم “سلامات “… السخرية التي تصنع أملاً
كبرت أبنة الثلاثين على طفولة لا تختفي. الفن حياتها والنجاح حصادها وصور الأمل مهمّتها التي لا تتعب ولا تكل من حملها. نانسي عجرم ابنة هذا الواقع المشغول بالأسى تأخذه دمعة وتعيده فرحة. تقطن الظلمة وتشعل فيها شمعة. تدرك الصعاب حولها فتكررها وتعيدها للأجواء عذوبة.
“سلامات” باكورة أعمال نانسي عجرم المصوّرة بطريقة الكليب من ألبومها الأخير نانسي 10 في إشارة الى عدد الالبومات التي أصدرتها منذ بداية مشوارها الفني الزاخر بالعطاء. عمل مقطوف من سواد العتمة والحاجة وضيق الحال عاشته نانسي دقائق وقدمته ساحة أمل وابتسامة أنارت بها نفوس عشاقها وأهل وطنها الذين يتخبطون بكل أنواع الظلمات.
ضحكت على الفقر وسخرت منه بأعلى قهقهة. تآمرت على الفاقة مع صديقاتها وهربن منها في شوارع العتمة يمسكن بأيدي بعضهن البعض، ويمرحن كأنه انتصار النفس على الواقع هو الظفر على الطفر. الفقر في كليبها عنوان ورحلة الانتصار هي القصة مذيلة بأجمل ابتسامة وانقى عيون.
نانسي منذ البدايات تحب أن تكون صورة عن مجتمع العامة من “أخاصمك أه ” إلى “شيخ الشباب” و “ما تجي هنا” وغيرها. تستهويها حياة البسطاء والبيوت العتيقة والأرض المعفرة والوجوه المنحوتة بالفقر والأصالة. نانسي تجد في تلك البيئة ينابيعها التي تسقي بها سهول فنها لتمتد الى كل حارة وزاروب في الوطن العربي وتقول أنا منكم ولكم.
صاحبة العيون الزرقاء والوجه البريء والشخصية الطرية لم تنكسر مرة في حياتها. كانت دوماً تشق طريقها وطريق سواها نحو الفجر مهما كانت العتمة قوية. سخّرت صوتها لقضايا الناس فهي من صلبهم وطينهم وليست أبنة القصور رغم أنّها تسكن في أجملها واستطاعت أن تخلط عرقها بعرقهم وتلبس من أثوابهم وتبني نفسها على أنها من جبلتهم، تأكل من مأكلهم وتشرب من مائهم وتتصرف على أنها أبنة الحارة العتيقة التي تحلم أحلام البسطاء وتقطن في طينهم وتسقي الزرع من ترعهم.
كما في “سلامات” تفضل نانسي في كليباتها أن تكون البطلة في فيلم قصير. تحب الحكايات المشغولة من أرض الواقع تريد أن تكون بطلة بسيطة بموقعها ورائدة في مكانتها وتشكل حافزاً في الضمير. فهي خلال السنوات الأخيرة الصعبة في وطنها لم تيأس وبقيت تنشد وتغني ولم تخبً همتها.
تقدّم العمل تلو الآخر، تسلخ نفسها عن المصاب وتقود حملة الانتصار فتغني “بيروت الأنثى” بصورة تختصر دموع كل اللبنانيين بعد الانفجار الكبير في أب اغسطس. ترحل نحو شجر الصنوبر وجمال غابات لبنان وتنشد “جاي معاك”. ثم تفترش الطرقات الوعرة وتصور المدينة بثقل خطواتها وحياتها الصعبة وتقدّم حلمها كحبيبة في سيارة عتيقة في “بدي حدا حبو “.
نانسي أخذت على عاتقها مهمة مدّ الأمل في النفوس. تقوم بهذه المهمة دون ضجيج ودون استعلاء وصخب. تقف فوق سطح بناية عتيقة وتغني لفجر بيروت المطفأة والمدينة الحزينة وتطلق حنجرتها للوغو الذي يشبهها “أمل بلا حدود”.
نانسي في “سلامات” كما في الكثير من أعمالها فتاة الشغف والفرح التي تنتصر بابتسامتها على المأساة. تخلق من داخلها واقعاً أكبر مما يحيطها لتكون مثلاً على الصمود والقدرة على الفرح. ولأن الروح لم تلوّث، بقيت نانسي ابنة الطفولة تنشر البراءة وتغني للغد بقريحة التفاؤل.