منوعات

 هل يودّع اللبنانييون ثقافة الدفع عبر بطاقات الإئتمان؟

بات لبنان عالقًا في مستنقع من المشاكل غير المسبوقة، حتى خلُص البنك الدّولي إلى أنّ الأزمتين الاقتصاديّة والماليّة اللّتين يغرق فيهما، هما من ضمن أسوأ عشر أزمات، لا بل حتى بين أسوأ ثلاث أزمات شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

ولعلّ آخر الأزمات التي تشهدها البلاد هي آليّة الدّفع الإلكتروني، ببطاقات الإئتمان، التي تتّخذ مزيداً من التّعقيد، بفعل الإجراءات التي فرضتها المصارف منذ العام 2019 للتّحكم بالسّحوبات النّقدية، التي بدأت بالدّولار وتمدّدت لليرة اللّبنانيّة، ما دفع المحلّات التّجاريّة إلى رفض قبول السّداد الإلكتروني عبر أجهزة البيع.

وتُصدر المصارف بطاقات الائتمان Credit Cards التي تعطي الفرصة لحاملها بالحصول على الأموال، على شكل دين، ليتم تسديدها بتاريخ محدّد، وفي حال التّأخير يدفع غرامة ماليّة.

هذه البطاقة تُدرّ أرباحاً طائلة للمصارف تقدّر بالملايين، نظراً للأكلاف العالية التي يتكبّدها حاملوها عند استخدامها. فبعد الحديث مؤخراً في بعض الوسائل الإعلاميّة عن وداع اللّبنانيين لثقافة البطاقة الإئتمانيّة، هل تودّع المصارف الدّجاجة التي تبيض ذهباً لها؟

شحّ النّقد المتداول

يقول المحلّل الأقتصادي محمد أبو الحسن لـ “أحوال” أنّ ما يسمى بطاقة ائتمانية، ما هو إلّا أحد مسميات وسائل الدّفع إلكترونياً، وقد أصبحت هذه الوسائل رائجة على مستوى العالم، حيث تعتمدها المتاجر عالميّاً، حصراً دون غيرها وتمتنع عن قبول النّقد (الكاش)، نظراً لما توفّره من كلفة الانتاج، من أكلاف تشغيليّة وأمنية و تخزينيّة وغيرها.

ويضيف، لا بد من الانطلاق من أحد أبرز المشاكل الحاضرة على مائدة السّوق اللّبناني، وهو شحّ النّقد المتداول على مستوى عمليّات الصيرفة، وحسم الشّيكات وعمليّات التّبادل التّجاري، ما أدى إلى رفض معظم المؤسسات التّجارية قبول الدّفع بالبطاقات الإلكترونيّة.

ويضيف، ما يحصل اليوم هو إجراء مؤقت واستثنائي، إذ لا يمكننا حصر حجم تداول أي اقتصاد في العالم بالكاش فقط، إلا الاقتصاد البدائي جداً، قد يكون مبنياً على التدوال بالعملة الورقية النقدية.

ويتابع، سمعنا مؤخراً عن إشاعات في وسائل الإعلام تروّج لفكرة إلغاء اعتماد بطاقات الإئتمان، ولكن هذا الكلام ليس مبنيّا على أسس علميّة. صحيح أن الاعتماد على هذه البطاقات تراجع بشكل ملحوظ، لكنّه سيعود مجدداً إلى عهده القوي لا محال.

أسباب تراجع الدفع الإلكتروني

وفيما تشير الإحصاءات الصادرة عن مصرف لبنان إلى تراجع مجمل عدد بطاقات الدفع بنسبة 5.31%، أي ما يوازي 161 ألف بطاقة خلال العام 2020، يقول أبو الحسن، شهدت الفترة الأخيرة انخفاضاً لافتاً في قيمة المدفوعات والعمليّات الماليّة التي تتم عبر البطاقات المصرفيّة الإكترونيّة، وذلك نتيجة السقوف الماليّة التي وضعتها المصارف على هذه البطاقات، وبسبب عدم قدرة  التّاجر على الاستمرار إلّا إذا حصل على “الكاش”، ولكن كل هذه التدابير مؤقتة.

وفي هذا الإطار، يقول أبو الحسن، نظراً لفقدان النّقد من السّوق، لم يبق أمام المواطن سوى استخدام وسائل الدّفع البديلة، و هي وسائل الدّفع الإلكتروني أو الشّيك، إلّا أنّ وسائل الدّفع الالكتروني، خصوصاً بطاقات الدّفع الالكترونيّة هي الأّكثر توفراً في السّوق و أكثرها انتشاراً واستخداماً.

من هنا نقف أمام المعضلة القائمة حاليّاً في السّوق اللّبناني. فلم يبق للتّاجر قدرة على الاستمرار، إلا عبر توفر النّقد و لم يبق أمام المواطن وسائل للدّفع سوى تلك الالكترونيّة، إلّا لدى القليل من المتاجر، التي لا تزال تقبل وسائل الدّفع الإلكتروني، إمّا على مضض، مقابل عمولات أو إضافات أخرى على الأسعار.  بحسب أو الحسن.

ويردف، من هنا تظهر المشكلة والنّتيجة بشكل أكثر وضوحاً وحجماً، لندرك أنّنا على وشك مواجهة توقّف العجلة الاقتصاديّة بالكامل، حيث باتت أقطاب التّبادل التّجاري والاقتصادي عاجزين عن التّلاقي وعن التّبادل وعن التّجارة و حتى عن الاستمرار.

لبنان خارج المنظومة العالميّة للتّحضّر؟

ويضيف، المشكلة أصبحت مشكلة أمن اقتصادي وغذائي و قومي، و ليست مشكلة وسائل دفع نقديّة أو إلكترونيّة، لذلك يصبح السّؤال هنا: هل بات لبنان خارج المنظومة العالميّة للتّحضّر والأمن والاستقرار والاستمرار؟ هل كلّ ما حصل بسبب التصعيدات السّياسيّة و الاقتصاديّة والأمنيّة؟ أم أنّ المشكلة تختصرها وسيلة دفع؟ لو كان كلّ ما تمّ سرده من مصائب وشحّ ومعانات وعوائق نقديّة وتجاريّة و اقتصاديّة غير قائم، لكان اللّبنانيون الآن منهمكون بإيجاد وسائل دفع غير بطاقة الدّفع الالكترونيّ، مردّدين على مسامع الكوكب (الله يجعلها اكبر المصائب).

هجر مؤقت

من جهته، يقول مستشار اتّحاد المصارف العربيّة بهيج الخطيبب، “فعلياً لا نعلم ما إذا كان اللّبناني يودع ثقافة بطاقة الائتمان، فالثّقافة عبارة عن فكر وممارسة. واللّبناني اليوم، وإن تراجع استخدامه لبطاقات الائتمان، فيعود السّبب إلى الاجراءات الاستثنائيّة التي تفرضها المصارف.

ويضيف الخطيب، ساهمت أزمة تراجع توفّر الدّولار في الأسواق، إلى حدّ كبير، في التّخلي عن خيار استخدام البطاقات الائتمانيّة، خصوصاً وأنّ معظم حسابات الودائع المصرفيّة في لبنان بالدولار الأميركي، ما قلّص استخدامها. وما زاد الطين بلة، مشكلة السّيولة  النّقدية باللّيرة اللّبنانية، ما دفع جميع المؤسسات التّجارية إلى رفض استخدامها، كي  يتهرّبوا من دفع العمولة لشركات هذه البطاقات من جهة، وكي لا يتأخروا بعملية تلبية حاجاتهم النّقديّة من جهة أخرى.

ويوضح، إذن اللّبناني مجبر أخالك لا بطل، أن يبتعد عن استخدام البطاقات الائتمانيّة في الوقت الحاضر، بسبب الظّروف الرّاهنة التي فرضت هذا الأمر الواقع.

ويتسأءل الخطيب، إلى متى ستستمر هذه الظروف؟ لا أحد يعلم، ربما اذا استعاد لبنان عافيته من جديد، يعود اللّبنانيين تدريجيَاً إلى استخدام بطاقات الائتمان.

ناديا الحلاق

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى