منوعات

هذه مواصفات “التكليف الآمن”

تسعة أشهر تقريبا ضاعت من دون أن يتمكن الرئيس المكلف “السابق” سعد الحريري من تشكيل الحكومة، لينتهي به المطاف بعد أخذ ورد إلى الاعتذار الذي تقهقرت معه الأمور إلى المربع الأول، وكأنه لم يكن هناك لا تكليف ولا من يحزنون.
مرة أخرى، ثَبَت ان لا قيمة ولا اعتبار للوقت لدى جزء واسع من الطبقة السياسية التي تبدو متخصصة في إضاعته. وحتى حين يكون الوقت ثمينا وتكون كلفة إهداره باهظة كما هي الحال في هذه المرحلة، لا يتغير شيئا في سلوك تلك الطبقة التي لا تزال معظم رموزها تتعاطى مع الازمة الحالية بكثير من البرودة والخفة، فيما هناك حاجة ملحة لاستثمار كل دقيقة من أجل تفادي خطر الارتطام بقعر الهاوية السحيقة.
وبدل ان تتم المحاسبة السياسية او الشعبية للسلوك العبثي الذي فرّط بالاشهر التسعة من التكليف، على وقع الانهيار المتدحرج، اذا بالمسألة تمر مرور الكرام من دون أي مساءلة او مراجعة، بل يُكافَأ المساهم في هذا العبث بطلب الحصول على موافقته او بركته لاختيار رئيس مكلف جديد، ربطا بالمعادلات الطائفية وتوازناتها الالزامية!
والى حين حسم هوية الشخصية التي ستقبل المهمة “الفدائية” وستتولى تشكيل الحكومة على مسافة قصيرة من موعد الانتخابات النيابية، صار واضحا ان نجاح اي اسم في امتحاني التكليف والتشكيل يتطلب توافر مواصفات محددة فيه، ومن أبرزها:
– ان يكون قادرا على التعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يشكل الشريك الالزامي لرئيس الحكومة في السلطة.
-ان لا يكون هناك فيتو عليه من قبل حزب الله وحلفائه.
– ان يحظى بغطاء دار الفتوى ونادي رؤساء الحكومات السابقين وتيار المستقبل لتأمين الحضانة والحصانة السنيتين الضروريتين.
– ان تقبل به السعودية لئلا تتكرر تجربة الحريري الذي لم يستطع التشكيل في ظل اعتراض الرياض عليه.
– ان يحصل على دعم دولي، خصوصا أميركي- فرنسي، كي لا تتجدد تجربة حكومة حسان دياب التي تعرضت الى حصار خارجي محكم.
وبناء عليه، فإن من بمقدوره حياكة هذه التقاطعات بين الداخل والخارج سيتمكن من العبور الى “تكليف آمن”، اما اذا كان هناك نقص في رزمة الفيتامينات الحيوية تلك، فإن الرئيس المكلف سيولد وهو يعاني من فقر الدم، وترقق العظم السياسي، الأمر الذي سيؤدي الى إضعاف فرص نجاحه.
من هنا، فإن رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل وحركة امل وحزب الله يفضلون اختيار شخصية تكون محتضنة ومقبولة من بيئتها السنية بالدرجة الأولى وغير مستفزة للخارج، لمعرفتهم بان المرحلة لا تتحمل حكومة مواجهة مع جزء من الداخل اللبناني والمجتمع الدولي.
ولكن، هل سيتجاوب الحريري ونادي رؤساء الحكومات السابقين مع هذا الاتجاه والى اي حد سيسهلان الخيار التوافقي بعد معركة داحس والغبراء التي دارت بين عون ورئيس “المستقبل”؟
وهل سيعطي عون الرئيس المكلف الجديد ما لم يعطه لسلفه والى اي درجة يبدو “خليفة” الحريري في التكليف محكوما بالسقف الذي وضعه رئيس المستقبل خلال المفاوضات مع رئيس الجمهورية؟
تحديات عدة تواجه مرحلتي التكليف والتشكيل، وعبورهما بنجاح يستوجب تخفيض منسوب المناورات السياسية والتعاطي معهما بأقصى درجات المسؤولية، لحصر خسائر الانهيار وتخفيف اثمان الخروج من تحت الركام الذي تسبب به.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى