منوعات

مسؤول كبير سابق يروي معاناته: أفقروني مع أنّني أملك ثروةً

يراقب مسؤول لبناني كبير سابق وقائع الانهيار الاقتصادي والمالي بكثير من الحسرة والغضب، خصوصا انه يعتبر ان ما حققه من إنجازات خلال تواجده في مركز القرار يتداعى امامه تحت وطأة الانهيار المتدحرج.
ويكشف هذا المسؤول انه قرر الإبتعاد والانكفاء نتيجة القرف السياسي الشديد. ويقول: انا امضي وقتي في التأمل ولا استقبل احدا من السياسيين الا في ما ندر. اكتفي بلقاء ابنائي واحفادي الذين يشعرون بأن وطنهم ضاق عليهم وباتوا يميلون الى خيار الهجرة.
ويضيف: لقد افقرونا وعبثوا بكرامتنا. تخيل انه لم يعد في مقدروي سوى ان أسحب أربعة ملايين في الشهر وكذلك تفعل زوجتي حتى بالكاد نستطيع تأمين احتياجاتنا الضرورية، بينما هم سحبوا اموالهم من المصارف وهرّبوها الى الخارج قبل الانهيار. انا ورثت ثروة عن عائلتي ولكن لا استطيع ان اتصرف بها. هل هذا جائز، هل يصح ان يكون هذا هو مصيرنا في وطننا؟
ويتابع بمرارة: لقد اهدروا كرامة الدولة وفرطوا بها نتيجة تصرفاتهم ومصالحهم. عندما كنت في سدة المسؤولية لم اتورع في إحدى المرات عن طرد شخصية سياسية اجنبية رفيعة المستوى لأنني شعرت بانها لم تحترم الموقع الذي امثله خلال المداولات بيننا. وقفت وقلت لتلك الشخصية “مع السلامة”، في إشارة مني الى انتهاء الاجتماع معها بعدما حاولَت أن تفرض علي شروطا سياسية غير مقبولة. لم اخضع الى الضغط ودفعت غاليا ثمن موقفي، اما حاليا فإن سفيرتين تجرأتا على مخاطبة رئيس الحكومة بقسوة وتجاوزتا الاصول الدبلوماسية من دون أن تلقيا رد الفعل الذي تستحقانه.
ويروي المسؤول الكبير السابق كيف انه عندما كان في السلطة ارتفع سعر الدولار بعض الشيء فارسل وراء حاكم البنك المركزي ونبهه الى وجوب ضبط سعر الصرف تحت طائلة إقالته من منصبه، “وبالفعل تمت السيطرة حينها على الدولار.” ويضيف: ان السلطة تعادل الهيبة، وللأسف نشعر حاليا بأن السلطة فقدت كثيرا من هيبتها.
انهم يتخبطون في سياساتهم ورياض سلامة محق في الوقف التدريجي للدعم، بينما الموجودون في الحكم يريدون استمرار الدعم، ولو بعضه يُهدر ويُسرق، إذ همهم فقط شراء الوقت الى حين ان يغادروا مراكزهم على قاعدة “ومن بعدي الطوفان”.
ويحذر من ان ما يجري يهدد بحصول انفجار اجتماعي في توقيت ما، “علما ان الآتي الاعظم لم يصل بعد والصرخة الكبيرة ستعلو حين يرفع الدعم كليا عن الدواء والمحروقات. وما اخشاه هو ان الناس عندما تقرر ان تنتقم فانها قد تلجأ الى مهاجمة المسؤولين الاوادم الذين لا حماية لهم، بينما الزعران لديهم من يحميهم.”
ويتابع: انا خائف عندها انو الصالح يروح بعزا الطالح ويختلط الحابل بالنابل.
ويلفت الى انه عندما كان في الحكم اكتشف ان هناك مسؤولين يقبضون رشاوى “وانا كنت من قلة رفضت ان تقبض، ولذلك كانوا يجدون صعوبة في التعامل معي.”
ولا يخفي المسؤول السابق عتبه على بعض الأصدقاء والحلفاء الذين ما زالوا يسايرون الفاسدين ويتعايشون معهم، “واشد ما يزعجني هو ان اجد الذين قدموا التضحيات في سبيل تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي يتعرضون الى الاطلال ويقفون في الطوابير للحصول على احتياجاتهم. لقد انتصرنا في المواجهة العسكرية ضد العدو، لكننا ندفع ثمنا مرتفعا في الاقتصاد اولا لأننا لم نواجه الفساد كما يجب وثانيا لان خصومنا هم أقوى في المجال الاقتصادي حيث هناك اختلال في ميزان القوى خصوصا ان اقتصادنا مدولر، وقد جرت دولرته نتيجة خيارات غير سليمة اعتمدها بعض المسؤولين خلال الحقبة السابقة.”
ويعتبر انه كان يتوجب على بعض القوى الاساسية التي لم يلوثها القساد ان تلاقي انتفاضة الناس الاوادم في 17 تشرين الأول 2019 وليس التخلي عنهم وترك الساحة للمتسلقين وأصحاب الاجندات المشبوهة.
ويشير الى ان الطبقة السياسية كرست الطائفية والمذهببة الى ابعد الحدود في سلوكياتها، مشددا على ان المطلوب بالحاح وضع قانون انتخاب متحرر من القيد الطائفي لانتخاب مجلس وطني، على أن يتم تأسيس مجلس شيوخ يراعي حقوق الطوائف ومصالحها، “وبالتالي عليهم فقط تطبيق اتفاق الطائف بنزاهة من دون تطويعه لمصالحهم الضيقة.”

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى