منوعات

بين مد التجار وجزر الصناعيين… الدّولار الجمركي يهدّد الموازنة

بين مد التجار وجزر الصناعيين… الدّولار الجمركي يهدّد الموازن
ناديا الحلاق
مع احتدام الأزمة الاقتصادية في لبنان بات موضوع رفع الدولار الجمركي أمراً حتمياً لا بد من إقراره رغم انه أرعب معظم القطاعات وخصوصاً تلك التي تعتمد بنسبة كبيرة من كلفتها أو كلّها على الدولار، كما وأرعب المواطن الذي تآكلت قدرته الشرائية بالحد الأدنى بنسبة 90%. فهل زيادة سعر «الدولار الجمركي” هو بمثابة ضريبة غير مباشرة يتحمّل تبعاتها كلّ النّاس، عوضاً عن بدء العمل على توحيد سعر صرف الدولار بطريقة جدية وحاسمة وإصلاح النظام الضريبي؟
الأكاديمي والخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري يوضح لـ “أحوال” أنّ موضوع رفع سعر صرف الدولار الجمركي يعاني من الأخذ والرد وتضارب المصالح ضمن المنظومة الحاكمة وبين المنظومة ومجموعات المصالح الاقتصادية المرتبطة بها.
ويتابع: “فمن ناحية لم يعد من الممكن إباحة الاستيراد على سعر ١٥١٥ ليرة للدولار لأن ذلك يعني دعم المستوردات في ظل اقتصاد يعاني من شح العملات الأجنبية ولديه فجوة خسائر قدرتها الحكومة بمبلغ ٦٩ مليار دولار علماً أن الرقم قد يكون أكبر من ذلك. كيف نترك الأغنياء وكبار التجار ينعمون بالاستفادة من دولار جمركي منخفض في الوقت الذي توقف فيه الحكومة دعم دولار الأدوية ودولار المواد الغذائية؟ علماً أن بعض كبار التجار عمدوا إلى تخزين السلع المعمرة من سيارات وأدوات كهربائية إلكترونية للاستفادة من فارق الربحية بعد ارتفاع دولار الجمارك. هذه المسألة ما كان يجب أن تأخذ كل هذا الأخذ والرد ولا يجب أن تسمح بتكوين أرضية لأرباح عرضية في هذا الظرف ولكن هذا أيضاً من سوء الإدارة العامة المقصود وغير المقصود.
ويرى الخوري أنه سيكون لرفع الدولار الجمركي آثاراً تضخمية أكيدة لكن مهما بلغت تبقى أقل مفعولاً من طبع العملة التي بلغت ٣٧ ألف مليار ليرة خلال سنتين وأدت إلى موجات التضخم الواسعة التي نشهدها وانهيار سعر صرف الليرة الذي لا زلنا نعاني منه.
ويؤكد أن الخيار ليس ترفاً بين رفع سعر الدولار الجمركي او عدمه بل هو خيار بيته وهو شئ بالطبع وبين الأسوأ وهو استمرار طبع العملة بهذا المستوى لتمويل أنفاق الدولة وتسييل الودائع.
ويلفت ألى أن رفع الدولار الجمركي سيساهم في إعادة امتصاص جزء لا نعرف حتى الآن حجمه من النقد في التداول بالبيئة وهو المفعل الرئيسي للتضخم اليوم.
ماذا عن تسعير الدولار الجمركي؟ يقول الخوري: “هنا ندخل في لعبة المصالح والتجاذبات كون التجار لا يريدون ارتفاع فوق الثمانية آلاف ليرة للدولار للحفاظ على أرقام مبيعاتهم وأرواحهم. الصناعيون يريدون تعويم الدولار الجمركي، الحكومة تمالئ مصالح التجار وأصحاب الوكالات تاريخياً على حساب الصناعيين لذلك نرى كل هذا الأخذ والرد وعدم الاتفاق على تسعير دولار الجمارك. المشكلة الحقيقية التي تواجه القرار اليوم هي أنه ما لم يتم تعويم الدولار الجمركي عند سعر المنصة فإن الحكومة يعاني من آثار طبع المزيد من العملة واذا تم رفعه لهذا المستوى ستضرب مصالح التجار.
هل رفع السعر إلى سعر المنصة عادل؟ يجيب: لا شئ عادلاً هنا إنه الخيار بين السيئ والأكثر سوءاً، خاصة أننا لا نعلم كيف سيتم إنفاق هذه الزيادة ولمصلحة من؟ الموازنة أساساً لا تعتمد سعر صرف موحد لأجراء احتساب حقيقة للتدفقات النقدية الخارجة والواردة وفقاً لأبسط المعايير المحاسبية.
من جهته، يرى المحلل الاقتصادي د. محمود الجباعي أن الدولار الجمركي اليوم هو البند الأساسي في الموازنة، حيث تعتمد عليه وزارة المالية والحكومة في تعزيز إيرادات الخزينة العامة من الواردات الجمركية، في ظل عجز الموازنة والتخلف عن تحصيل الايرادات سابقاً، وفي ظل الأزمات المالية التي تمر على لبنان وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
ويتابع من هنا، رأى وزير المالية يوسف الخليل أن رفع سعر صرف الدولار الجمركي هو الحل الأمثل لتحصيل الإيرادات، ولكن قبل إقرار رفع سعره لابد على الحكومة اللبنانية التركيز على أمور أخرى ومنها التهرب الضريبي، والتهريب عبر الحدود، ومعالجة مشكلة الأملاك البحرية الاملاك غير المستخدمة وكلها طرق مجدية لجباية الايرادات، إلا الحكومة تراهن على أن يرفع الدولار الجمركي إلى الحدود التي تدرّ للخزينة مبلغ 14 ألف مليار ليرة بحسب تصريحات وزير المالية.
شخصياً أرى أن رفع الدولار الجمركي هو أمر ضرري ولكن شرط أن يكون التحصيل حقيقي لا أن يمس المواطن بشكل كامل. اليوم هناك من يقول أن رفع سعر الدولار الجمركي سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع الاستهلاكية ولكن هذه الأقاويل غير صحيحة، فالدولار الجمركي يشكل 10% إلى 12 % من كلفة السلعة الاجمالية وبالتالي فإن ارتفاع سعره سيؤثر بحسب هذه النسبة المئوية فقط.
ويعتقد الجباعي أن تكون قيمة الدولار الجمركي ما بين 12 ألفاً و20 ألفاً بحسب نوع السلعة، لكن المهم أن نوضح للحكومة أنها لا تستيطع القول بان رفع الدولار الجمركي سيمكنها من تحصيل ايرادات تصل إلى 14 ملياراً لأن الطلب والانكماش سيزيدان تلقائياً، كما وان حجم الاستيراد سينخفض إلى نحو النصف، وبعض المؤسسات قد تغلق أبوابها بسبب الافلاسات. وبالتالي لن يعد باستطاعت الدولة تحصيل أكثر من 6 مليارات كإيرادات، ما يزيد من العجز في الموازنة ويؤدي إلى خلل كبير.
ويؤكد الجباعي أنه بحسب المعطيات لن يشمل الدولارالجمركي لا المواد الغذائية ولا السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في حياته اليومية.
ويتساءل هل سيعطي الدولار الجمركي النتائج المرجوة لناحية الايرادات؟ طبعاً لا، والأجدى على الحكومة أن تفرض دولاراً جمركياً منطقياً وواقعياً على سلع محددة مع تحصيل الايرادات من مصادر أخرى.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى