بلديات لبنان تتّجه نحو إغلاق أبوابها؟
تمر البلديات في لبنان، على تنوع أحجامها وقدراتها المادية، في أسوأ الظروف، في ظل تقاعس الدولة عن تسديد مستحقاتها منذ عام 2018، الى جانب انخفاض نسب الجباية، ما دفعها للتخلي عن دورها الانمائي والاكتفاء بالأعمال الروتينية، مثل دفع رواتب الموظفين ورفع النفايات وكنس الطرقات وبعض الأعمال الطارئة.
تُعتبر البلديات ادارات مستقلة تتمتع باستقلالية مالية وتعتمد على مصدرين: الجباية وعائدات الصندوق البلدي المستقل، والأخيرة هي عبارة عن ضرائب تجمعها الدولة لصالح البلدية، أي بمعنى آخر، هي أمانة للبلديات لدى الدولة التي لا يحق لها استخدامها. ولكن في لبنان، تُعتبر قضية دفع مستحقات البلديات “شائكة وصعبة”، تتكاثر فيها الوعود التي غالباً ما تكون كاذبة، وتتقاذف فيها المسؤوليات بين وزارتي الداخلية والمال.
ولا شكّ أن المطلوب من البلديات اليوم يفوق طاقتها من التحمل، فبالإضافة الى أزمة المستحقات، جاءت الأزمة الاقتصادية لدفع العديد من الفئات الاجتماعية الى “دق باب اقرب ادارة رسمية” وهي البلدية طلباً للمساعدات.
من جهة أخرى، ومع بداية أزمة كورونا طُلب من البلديات تأمين أماكن للحجر الصحي ومتابعة المصابين والمخالطين والتنسيق مع وزارة الصحة لمواجهة الوباء وتطبيق إجراءات التعبئة العامة، وكذلك توليها مهمة مراقبة ارتفاع الأسعار، وكل ذلك زاد من المهام الملقاة على عاتقها في ظل إمكانات شبه معدومة.
أمام هذا الواقع، لم تعد تتمكن البلديات من الايفاء بالتزاماتها، فتوقفت المشاريع حتى الصغيرة منها، وبات أقصى طموحاتها تأمين رواتب الموظفين والعمال.
وفي هذا السياق، أعرب رئيس اتحاد بلديات صيدا – الزهراني، محمد السعودي، عن خشيته من قيام بلديات بحل نفسها وتسليم مفاتيح البلديات للدولة كي تديرها إذا لم يتم تسديد هذه المستحقات، لافتًا في حديث لـ”أحوال ميديا” أن بلدية صيدا، مثلًا، أوقفت جميع المشاريع، كما أن هناك بلديات صغيرة ضمن الاتحاد الذي يضم 16 بلدية، لم تعد قادرة حتّى على تأمين الرواتب.
مشكلة أخرى تُعاني منها البلديات، وهي قيام المتعهدين بالمطالبة بأموالهم عن المشاريع التي أنجزوها قبل ارتفاع سعر الصرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وبالتالي فإن حصولهم على هذه المستحقات اليوم، وفق سعر الصرف الرسمي، سيعني خسارة كبيرة لهم، في وقت تعجز البلديات عن تقديم أي تعويض عن هذه الخسارة.
وكما هو الحال في جميع الأزمات، يدفع الموظفون ثمن تقاعس الدولة، حيث قال مؤسس تجمع العاملين في البلديات، فادي نصرالله، لـ “أحوال” إن بعض البلديات توقفت منذ 9 أشهر عن دفع رواتب موظفيها، لافتًا إلى أن هذا القطاع يضم أكثر من 25 ألف مستفيد من موظفين وعمّال وأجراء ومياومين، وأن بقاء الوضع على ما هو عليه، يُنذر بوقوع كارثة اجتماعية. من هنا، لفت نصرلله إلى أنهم أطلقوا هاشتاغ #أموال_البلديات_حق، وهم بانتظار تشكيل الحكومة التي يجب أن تلتفت إلى حلحلة أزمة البلديات ودفع مستحقات موظفيها، وإلا سيتجهون للتصعيد.
الواقع عينه ينطبق أيضًا على بلدية جبيل، التي أقالت 90 موظفًا بين مستخدمين للشرطة ومياومين، وفق ما أفاد رئيس البلدية وسام زعرور لـ”أحوال”، لافتًا إلى وجود عاملَين أساسيين أثّرا بشكل سلبي على البلديات: الأول يتمثل بسلسلة الرتب والرواتب التي كبدت البلديات، ولا سيما الكبرى منها، كمًا هائلًا من زيادة الرواتب، في حين أن المداخيل بقيت على حالها، والعامل الثاني، بحسب زعرور، يتعلّق بتراجع نسب الحصول على رخص بناء من البلديات بعد توقف قروض الإسكان، علمًا أن هذه الرخص تشكّل المردود الأساسي للبلدية.
إذًا، هي أزمة جديدة تُضاف الى سلسلة الأزمات التي يعيشها لبنان اليوم، والتي تحتاج إلى قرارات جدّية من الدولة والوزارات المعنية لإيجاد الحل المناسب، كي تعود البلديات لممارسة دورها الإنمائي تفاديًا لوقوع أي كارثة اجتماعية.
مهدي كريّم