سياسة

خيارات بايدن “الرئيس” في المنطقة: المفاوضات مع إيران وحلفائها

الحزب الديموقراطي سيلجأ لإحياء الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات

يقف المرشح الديموقراطي جو بايدن على مسافة 17 صوتاً انتخابياً لاكتمال حساب الفوز البالغ 270 صوتاً ودخوله المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وفيما لا تزال أريزونا وألاسكا وبنسلفانيا ونورث كارولاينا وجورجيا ونيفادا غير محسومة النتائج، يترقب العالم بفارغ الصبر منذ أكثر من يومين، لتبيان الدخان الأبيض الذي يضع حداً لمخاضٍ عسيرٍ لولادة إدارة جديدة لأميركا لأربع سنوات قادمة تتكشف معها هوية الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، هل هو الرئيس الحالي الجمهوري دونالد ترامب أو المرشّح الديموقراطي جو بايدن.

وفي الوقت المرتبك على قلق جمع الأصوات في الولايات الكبيرة، تُعرب حملة بايدن عن ثقتها بالفوز، فيما تتخبط حملة ترامب مطالبة بوقف فرز الأصوات في بنسلفانيا وميشيغن، وسعت إلى إعادة فرز الأصوات في ويسكونسن، وطعنت في إدارة الفرز في جورجيا. ووصل الأمر بترامب إلى إعلان اعتزامه الطعن في نتائج كل الولايات التي فاز بها بايدن مؤخراً!.

كما فلت فيروس كورونا من عقاله ليحصد أرواحًا كثيرة في أميركا أفلت الرئيس الأميركي والمرشح لولاية ثانية من عقاله بعد ظهور تقدم منافسه جو بايدن خلال عمليات الفرز التي لا تزال تجري حتى الآن وتتوضح صورتها في اليومين المقبلين. رجل الأعمال الذي لا يستسيغ الخسارة أبداً لم يتوقف عن التغريد سلباً حول الانتخابات فمرة يشكك بالنتائج وبصحة الفرز ومرة يلمح إلى اختراع أصوات جديدة، ويهدد ويتوعد باللّجوء إلى القضاء حتى وصل به الأمر إلى طلب وقف عملية احتساب الأصوات. ارتياب ترامب يعني أن الرجل يستشعر خسارته منصبه في البيت الأبيض ليحل محله جو بايدن وهو من تركة الرئيس السابق باراك أوباما والحليف القوي للرجل الذي سيصبح الرئيس السادس والأربعين لأميركا.

ترتكز الانتخابات الرئاسية الأميركية على الشؤون الداخلية وهي ملفات غير سهلة لأي رئيس جديد لكنّ واشنطن لديها خياراتها الاستراتيجية في المنطقة تضعها الدولة العميقة وينفذها أي رئيس قادم إلى البيت الأبيض “سواء كان الرئيس جمهوري أم ديموقراطي ينفذ خطط الإدارة العميقة للدولة واستراتيجيتها، ويبقى الاختلاف في شخصية الرئيس وتركيبته ونظرته للأمور ووتيرة توقيعه للقرارات التنفيذية وتوقيتها ووسائلها لكنّها تصب في مرمى أهداف واحدة تؤمن مصالحها”، كما يقول العميد السابق بجامعة السلطان قابوس البروفسور والمحلل السياسي حيدر اللواتي. ويقول إن هذا الأمر يسري على ملفات المنطقة بالنسبة إلى إيران والعلاقة مع الخليج وفلسطين ولبنان وسوريا. وإذ يرى بحسب مراقبته للأحداث أن خيار الحزب الديموقراطي هو العودة إلى المفاوضات مع إيران في المنطقة فالاتجاه بالنسبة إلى فلسطين هو حل الدولتين، ويلفت اللواتي، إلى أنّ نائبة الرئيس المرشحة كامالا هاريس أكّدت في أحد خطاباتها أنّها مع حل الدولتين وإرجاع الدعم المالي للفلسطينيين.

اقتراب بايدن من الفوز يقلب التوقعات والتطلعات في منطقة الشرق الأوسط ولبنان، بخاصة حيال الملف النووي الإيراني الذي يتشعب منه ملفات كثيرة تتصل بالعلاقات مع دول الخليج والأوضاع في سوريا واليمن ولبنان والعراق. قد يتجه بايدن بحسب الدراسات السياسية التي رافقت حملته الانتخابية إلى فتح الباب أمام التفاوض مجدداً مع إيران وإحياء الاتفاق النووي. بعد أن غيّرت خيارات إدارة الرئيس دونالد ترامب الوجهة تماماً، بالخروج من الاتفاق، وإطلاق سياسة معادية لطهران شملت حصاراً كاد أن يدمر اقتصادها، وجفف منابع تمويل حلفائها في المنطقة، ومنهم “حزب الله” في لبنان.

 

مفاوضات مع إيران وبناء ثقة مع الخليج

الحملة الرئاسية للحزب الديموقراطي عبرت أكثر من مرة في بياناتها عن سياستها الخارجية وهي تحبّذ العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وإدخال بعض التعديلات. وفيما لم تُفسِح إدارة ترامب مجالاً لدبلوماسية التفاوض مع إيران تتجه إدارة الديموقراطيين في حال فوز بايدن إلى التفاوض المباشر مع إيران ورفع تدريجي للعقوبات تبدأ بتلك التي تطال القطاعات الإنسانية والطبية وصولاً إلى رفع العقوبات نهائياً.

وستسعى إدارة بايدن، بحسب تقارير خبرائها السياسيين، إلى حثّ كل من إيران ودول الخليج على الجلوس سوياً وفض الخلافات فيما بينهم وإعادة بناء جسور التعاون والثقة واحترام الشؤون الداخلية لكل بلد، وتجميد النزاعات بينهم على أراضي العراق وسوريا واليمن. 

يقول مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الاتحاد الأوروبي جوليان بارنز دايسي، “إن سوريا والشام غابتا بشكل ملحوظ عن الحملة الرئاسية الأميركية، على الرغم من وجود القوات الأميركية على الأرض. ولم يقل فريق بايدن الكثير بشأن هذه القضية سوى أنه لن ينسحب من سوريا”. ويضيف في دردشة عبر الانترنت مع “أحوال” من المتوقع أن يحافظ بايدن على وجود عسكري صغير في شمال شرق سوريا (وإن كان ذلك بدعم أكبر لقوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، والتي تخلّى عنها ترامب إلى حدّ كبير)، ودعم العملية السياسية للأمم المتحدة، مع الإبقاء على العقوبات على سوريا إلى حين انجلاء الأزمة السياسية”. 

ويرى بارنز دايسي أنه “في حين رأى ترامب إلى حدّ كبير أنّ مهمّة مكافحة “داعش” قد اكتملت، فقد يقدم بايدن دعماً عسكرياً لمنع عودة التنظيم. وسيعزّز هذا الوجود الأميركي المستمر في سوريا والعراق. ويمكن أن يتضمن هذا النهج سلوكاً أقل عدائية تجاه بغداد، على الرغم من علاقاتها القويّة بطهران، حيث يقدّم دعماً سياسياً واقتصادياً للمساعدة في استقرار البلاد”. ويضيف “يمكن أن يخف الضغط الاقتصادي الأميركي الأقصى ضد إيران وحلفائها، بما في ذلك العراق ولبنان، حيث تُظهر الإدارة اعترافاً أكبر بالتأثير المزعزع للاستقرار على هذه البلدان، وهو تحوّل يجب على الأوروبيين تشجيعه”.

تمتلك واشنطن القدرة على قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، أكانوا حلفاء أم خصوماً والصمود للأقوياء. وفي منطقة الشرق الأوسط لعبت أدواراً قادت إلى انقلاب أنظمة وتثبيت أخرى، لكن اليوم على المنطقة انتظار بعض الوقت قبل جلاء وجهة السياسية الأميركية الجديدة للسنوات القادمة، فترامب باق حتى مطلع العام الجديد فيما سينشغل الرئيس الجديد أو ذلك المجدد له في لائحة ملفات الشؤون الداخلية للبلاد. 

حجم الفارق الضئيل بين المرشحين أظهر الانقسام الغائر في الجسد الوطني الأميركي والشرخ الذي عمقته سياسات ترامب المتطرفة، ولو أنّ فوز أي من الرجلين سيكون باهتاً نظراً للانقسام الحاد، فإنّه سيفتح الباب أمام مواجهات أمام القضاء وفي داخل الإدارة الأميركية التي ستعاني من عبء الموظفين التابعين لترامب وإرثه السياسي داخلياً وخارجياً بالإضافة إلى ملفات الصحة والاقتصاد وترميم الانقسام الداخلي. 

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى