كما في السياسة كذلك في محطات الوقود
شركة “توتال” اللبنانية هي فرع من شركة “توتال” الفرنسية، وهي تحوّلت منذ أكثر من شهر، إلى شريك رئيسي في إذلال اللبنانيين وتوتيرهم، في سياق المسعى المتواصل لتفجير البلد أو تحريض أبنائه، ضد فريقين سياسيين فقط من “كلّهم يعني كلّهم”، باعتبارهما المسؤولين عن كل ما يتخبط به المواطن.
شركة توتال هي الأضخم طبعاً لكنّها ليست الوحيدة، فشركات كثيرة تسير في المخطط نفسه. وقد اختبأت هذه الشركات بداية خلف ذرائع مختلفة، إلا أنّ الحلول المعجّلة المكرّرة طالت جميع الذارئع حتى ظهرت الحقيقة واضحة ساطعة اليوم: ليس التهريب هو المشكلة الأكبر (خصوصاً في حالة توتال، لأنّ الشركة تستورد مباشرة وتوزّع لمحطاتها، لكن المحطات مقفلة)؛ ولا تكمن المشكلة في التسعير بعد تصحيحه، ولا هي مشكلة ربح بعد تصحيحه أيضاً، ولا هي مشكلة أمنية لأنّ المشاكل محدودة جداً خصوصاً في جبل لبنان.
ما المشكلة إذاً؟ المشكلة سياسية؛ الشركة الفرنسية دخلت على خط تصفية الحسابات مع فريق سياسي لبنانيّ، لمصلحة فريق سياسيّ آخر. وبوضوح أكبر، هم يقولون اليوم: لن تفعلوا ما نريده، إذن سنمنع دخول المنتجات الزراعية إلى أسواقنا لينتفض المزارعون عليكم، سنؤخّر عبر حاكمنا في مصرف لبنان صرف الأموال الخاصة بشركات الدواء لينتفض عليكم كل من يحتاج لدوائه، وسنتلاعب بأعصاب اللبنانيين كما لا يتخيّل إنسان عبر قطع الكهرباء والمازوت وإحداث فوضى هائلة في هذا القطاع الحيوي بالنسبة لكل منزل لبناني دون استثناء.
الأسباب التي أوصلت إلى الانهيار كثيرة طبعاً، لكن وسط هذا الإنهيار هناك من يريد إذلال اللبناني، بموازاة ماكينة إعلامية – سياسية – مدنية خبيثة تسارع إلى حرف الأنظار عن المسؤولين الحقيقيين عن الإذلال، وتوجيه المواطن الغاضب الناقم المعاقب باتجاه واحد؛ ليست السياسات الحريرية هي المسؤولة، ليس الفساد المحدّد، ليست الكارتيلات، ليست الخطوط الحمراء الكثيرة؛ في هذه جميعها يختبئون خلف العموميات، عموميات دون أسماء؛ ثم حين يريدون التسمية، يسمّون العهد وحزب الله.
مجموعة تفعل كل ما يلزم لتجويع الناس وإذلالهم على جميع المستويات، ومجموعة مستنفرة بـ”الهشتاغات” لتوجيه غضبهم باتجاه واحد.
وفي النتيجة، لا بدّ أن يعرف المواطن أنّ محطة البنزين المقفلة، لا تملك اليوم أية ذريعة للإقفال، وهي مقفلة لسببين فقط: أولاً، إذلال المواطن. وثانياً، إقناعه أنّ العهد وحزب الله – بوصفهما المسؤولين عن محطات البنزين – مسؤولين عن هذا الإذلال اللاحق به.
وعلى كل مواطن التصرّف مع كل محطة مقفلة على هذا الأساس؛ على أساس أنّها جزء من عدة العمل السياسي الخاصة بفريق، ضد فريق سياسي آخر.
وفي هذا السياق، على كل مواطن أن يحفظ جيداً أيّ محطة أقفلت أبوابها في وجهه في الأيام الصعبة، أيّ محطة تأمرت عليه وعلى أعصابه، وأيّ محطة واصلت فتح الأبواب.
وحال المحطات هنا من حال السياسيين: هناك من يجلس على التلّة شامتاً بمصاب اللبنانيين، متمنياً المزيد من الإنهيار، وهناك من يبحث عمّا يمكن أن يفعله لاستعادة الأموال والمحاسبة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وهنا لا بدّ من القول، إنّ المحطة التي تفتح “طرمبة” واحدة أو اثنين أو أربعة بدلاً من الستة التي تملكها أو الثمانية أو العشرة، كما المحطة التي تحدّد سقفاً مالياً لزبائنها، المشكلة معها ثانوية؛ المشكلة الأكبر اليوم تكمن في المحطات المغلقة. المحطات المغلقة هي المشكلة، لا المحطات المتفلسفة.
وهنا لا بدّ من خطوات عملية، تعطي تفويضاً معجّلاً مكرّراً أكبر للأجهزة الأمنية لوضع اليد، بالتعاون مع البلديات على هذه المنشآت وتشغيلها، لتجاوز الأزمة المتواصلة، كما حصل في ملف المولدات. وإذا كانت الإدارات الرسمية غير قادرة وكذلك البلديات، فإنّ قوى المجتمع المدني بما تشمله من فعاليات مدنية وجمعيات أهلية وأحزاب يجب أن تتحرّك بجدية وتنظيم لإنهاء هذه المهزلة.
غسان سعود