منوعات

لبنان يتشرّط في عزّ حاجته… روسيا وإيران تبادران والغرب يُنظّر

حجز لبنان بمسؤوليه وسياساتهم وفسادهم مكانًا وازنًا له بين أسوأ أزمات العالم منذ أكثر من 150 عامًا، بحسب البنك الدولي. فما يزيد عن نصف الشعب اللبناني تحت خطّ الفقر. الليرة اللبنانية فقدت 59% من قيمتها مقابل الدولار. الدواء وحليب الأطفال والوقود باتت سلعًا نادرة تكاد تُباع في المزادات.

كلُّ ذلك، والأفرقاء السياسيون غارقون في مناكفاتهم وتبادل الاتهامات التي لا تنتهي وتقاذف المسؤوليات التي هم جميعًا ليسوا براءً منها، من دون أي حلول، ومن دون حكومة.

هم يتواجهون بالخطابات والبيانات، ويحشدون جيوشهم، بانتظار أن يمدّ لهم الخارج يد العون وليس أيّ خارج، بل ذلك الذي يُفصّل الحلول على قياس مصالحهم وطموحاتهم المستقبلية. ولو أنّهم أرادوا حلولًا لأزمات الشعب، لا لأزماتهم، لوجدوا في العرض الروسي منفذًا يخفف من وطأة الضائقة الاقتصادية.

ألا يريد اللبنانيون تأهيل مصفاتيّ النّفط في طرابلس شمال لبنان والزهراني في الجنوب؟ ألا يريد اللبنانيون إعادة تأهيل مرفأيّ بيروت وطرابلس؟ ألا يريد اللبنانيون بناء محطات كهرباء؟ ألا يريد اللبنانيون مشروع قطار يحلّ أزمة المواصلات المزمنة؟ كلّ هذا يريده اللبنانيون. وكلّ هذا عرضه الوفد الروسي، بتكليفٍ من حكومة بلاده، في مباحثاتٍ أجراها مع وزيريّ الأشغال العامة والنّقل والطاقة والمياه.

لم يكتفِ الوفد الرّوسي بتقديم العروض، بل تطرق إلى الحديث عن آليةٍ لتمويلها وفق ما أكّد المدير العام لشركة “الهندسة المائية والبناء” الروسية، أندريه متسغر الذي أشار إلى أنه عرض على السلطات اللبنانية نظام تمويل بنّاء يمكن مناقشته في المستقبل في إطار المنفعة المتبادلة، على قاعدة “نحن نبني وندير ولاحقا نسلّم”، ومن خلال إنشاء بنكٍ روسيٍّ كبيرٍ يموّل المشاريع.

متسغر قال: “عرضنا مشاريع تتعلق ببناء المرافئ وتطوير قطاع الطاقة”، لافتًا إلى أن لدى لبنان فرصة للتغلب على أزمة الطاقة، وذلك من خلال حلولٍ أحدها معالجة المواد الخام وتحويلها إلى مواد قابلة للاستهلاك”.

بدوره، قال وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار بعد اللّقاء “لدينا ثقة كبيرة بروسيا كدولة عظمى، وبالشركات والتكنولوجيا​ الروسية”، مضيفًا “مرافئ روسيا من أهم مرافئ العالم، والتجهيزات الروسية هي الأحدث عالميًا”.

في دولةٍ “دولة”، كان ليكون رأي وزير الأشغال في موضوعٍ كهذا أساسًا يُبنى عليه والعرض الروسي فرصةً لبدء الإصلاح الاقتصادي الملحّ والضروري، وستكون العلاقة بطبيعة الحال “من دولةٍ إلى دولةٍ”.

روسيا وعروضها لا تعجب بعض الأفرقاء اللبنانيين، علمًا أنّ منهم من زار أو يتوق لتتم دعوته لزيارة موسكو، وما النظر إلى عروضها بعينٍ عمياء إلّا نتيجة الخوف من مزيدٍ من الغضب الأميركي، والحرص على علاقاتٍ فردية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وخاصةً فرنسا.

ليست روسيا وحدها، بل إيران أيضًا على استعدادٍ لمساعدة لبنان اقتصاديًا. ففي وقت كرّر فيه الأمين العام لـ حزب الله السيد حسن نصر الله الحديث عن إمكانية استيراد النفط الإيراني لحل أزمة الطاقة في لبنان، أكّدت الحكومة الإيرانية على لسان المتحدث باسمها علي ربيعي، استعدادها لمساعدة لبنان في حال طلب منها ذلك، قائلًا: “إذا تم تقديم طلب لتصدير النفط للبنان، فسننظر فيه بجدية، والكل على دراية بقدرات جمهورية إيران الإسلامية في مجال إمدادات الطاقة”.

وتابع ربيعي إنّ “العلاقات بين إيران ولبنان، كبلدين شقيقين وصديقين، هي علاقة طبيعية وعرفية بين الأمم، وتقوم على مصلحة البلدين لتعميق العلاقات القائمة على المصالح المشتركة، ولطالما كانت لدينا علاقات تجارية متنامية مع لبنان، وما زلنا مصممين على تعزيز هذه العلاقات في جميع الجوانب التي تسهم في السلام والأمن والازدهار بين البلدين”.

ربيعي تحدّث عن لبنان، لا عن حزب الله، وعن علاقةٍ متكافئة بين دولتين، كلٌّ منهما ذات سيادة مستقلة، أو يُفترض أنّها كذلك. فهل لبنان بحاجةٍ إلى العرض الإيراني؟.

يكفي أن نتأمّل طوابير السيارات أمام محطات البنزين، تسعيرات مولدات الكهرباء الخاصة، وساعات تقنين التيار الكهربائي، حتّى ندرك عمق الأزمة ومدى حاجة لبنان. ولكن للأسف “العنجهية” اللبنانية الفارغة غير القادرة على انتاج حلولٍ محليةٍ واشتراطها أن تحمل الحلول المستوردة جنسيةً أميركية أو أوروبية حصرًا، يجعلها تردّ الأيدي الممدودة لمساعدتها.

للمفارقة، إن العرضين الروسي والإيراني لم يأتيا بأي إملاءاتٍ سياسيةٍ، بل مجرّد مبادرات اقتصادية ذات منفعة متبادلة تقوم على أساس العلاقات الدولية المتكافئة، لا على تبعيةِ منقوصة السيادة. وهو الوضع المذلّ الذي يستسيغه بعض الأفرقاء اللبنانيين. فهؤلاء يؤكدون فسادهم وعجزهم، عندما ينتظرون أن يرضى عليهم وزير خارجية فرنسي يقول: “قررنا (فرنسا والولايات المتحدة) أن نتحرك معا للضغط على المسؤولين. نحن نعرف من هم” أو سفيرة أميركية يمنحونها صلاحية مطالبتهم بـ “التخلص من فسادهم المستشري”.

علينا أن نُقرّ أن الوضع في لبنان بالأمس كان أفضل من اليوم، والأهمّ أن الوضع اليوم أفضل من الغد، ونحو ما هو أسوأ نحن نمضي بخطى متسارعة يصعب إيقافها. نعرف جيدًا أنّنا في أزمة، ونعرف أن معظم مسؤولينا فاسدون حتّى النّخاع، ونعرف أن النظام السياسي بأمّه وأبيه يحتاج لإعادة صياغة. ولكن التنظير والتوبيخ لا ينفعاننا، والتلويح بالعقوبات وفرضها لن يردع الفاسدين، والتدخلات السياسية التي تنتقص من سيادة لبنان هي أساس علّتنا ولا حاجة لنا بها. فإمّا أن نقبل أن يكون العون على شكل مبادراتٍ اقتصاديةٍ غير مشبوهةٍ ذات منفعةٍ متبادلة كالتي جاءت بها روسيا والصين وإيران، أو أن نستمر على ما نحن عليه حتى تغرق السفينة بمن فيها، بينما الغرب يُنَظّر من على الشاطئ، منتظرًا غرقها ليلملم الرّكام ويعقد المؤتمرات ويلتقط الصّور التذكارية.

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى