محمد الأسطة لـ”أحوال”: وقّعتُ لـ”الأنصار” بـ”المريول” مقابل كوب “جلّاب”
في دورة القنيطرة عنونت الصحف "الأسطة يهزم تونس"
بدأ “محمد الأسطة” ممارسة كرة القدم في سنّ مبكرة، شأنه شأن أترابه من الأولاد في منطقة الطريق الجديدة، إذ كان يتّخذ ورفاقه من تلّة قريبة من بيته في محلة “كاراج درويش” ملعبًا ليقضي فيه معظم ساعات النهار.
موقع “أحوال” كان له وقفة مع الأسطة الذي أفرغ ما في جعبته من ذكريات؛ ففي إحدى المرات، لفت نظر لاعبي “الأنصار” جمال الخطيب ومحمود الصيداني اللذين عرضا عليه التوقيع مع فريقهما، وفي اليوم التالي اصطحبه إداري يدعى “وليد ناصر” وهو بالهندام المدرسي من مدرسة الفاروق ليوقّع على الكشوف في مقرّ الاتحاد اللبناني في محلة رأس النبع بالقرب من “عصير السوسي” الشهير، كما يذكر الأسطة، وعند المغادرة اشتروا له كوبًا من شراب الجلاب وأعادوه إلى مدرسته وهو لا يزال إبن عشر سنوات.
بعدها، لعب لفريق “الشعلة” حين سمحت له إدارة “الأنصار” بذلك، حتى يشتدّ عوده ليلعب بعدها مع فريق “الأنصار” الثاني؛ وبعد صعود الفريق للدرجة الأولى، وقعت عين مساعد عمر غندور في “النجمة” وائل شرارة على الأسطة، وأراد استقدامه للفريق النبيذي حين سمح الاتحاد بحل التواقيع استثنائيًا لمدة 24 ساعة فقط، لكن المدرّب عدنان الشرقي اصطحبه يومها إلى برمانا ليلعب مباراة ودية، وعاد به إلى بيروت من دون علم الأسطة بكل ما كان يتم تحضيره حول الحصول على توقيعه.
الشرقي كان يسدّد نصف راتبي
وبالفعل ظفر “الأنصار” بخدمات الأسطة وأصبح من أعمدة الفريق الأول، ويقول لـ”أحوال”: “بدأتُ أخذ المكان المناسب في الفريق وكانت الإدارة تدفع لي 75 ليرة، ولكن عدنان الشرقي كان يدفع 75 أخرى لي ولعاطف الساحلي ولا أدري من أين يأتي بالمال، فكان راتبي 150 ليرة، وكان قد طلب مني قبلها إكمال دراستي ونيل شهادة البريفيه لأصبح مدرس تربية بدنية، ولكن كرة القدم سرقت مني كل وقتي وتفاصيل حياتي”.
دافع الأسطة عن ألوان “الأنصار” بشرف وتفانٍ طيلة مسيرته وأبدع في خط الدفاع كله، إذ كان يلعب في مركز قلب الدفاع وأحيانًا يتحول إلى ظهير أيمن حتى أن مدرّبه استعان به مرّات عدة في مركز الهجوم وكان يسجل الأهداف حتى أطلق عليه لقب “جوكر” الفريق، كما نجح الأسطة بإبقاء فريقه في دوري الدرجة الأولى مطلع السبعينات من خلال دورة التصنيف. ويقول إن “الأنصار” تعرض لحرب شعواء حينها من الاتحاد والأندية، ولكنه نجح في هزيمة الرياضة والأدب في المباراة الفاصلة بنتيجة كبيرة لأن الشرقي قال لهم قبل المباراة “يا شباب إما أن تكونوا لاعبي كرة قدم وإما لا تكونوا”.
بقي الأسطة مع الفريق حتى عام 1986 حين قرّر الاعتزال، وأُقيمت له مباراة تكريمية بتوصية من عدنان الشرقي وموافقة الرئيس سليم دياب، على الرغم من أن الأول قال له “إن الأنصار لا يقيم مباريات اعتزال للاعبيه، إلا أنك تستحق ذلك”. وأقيمت المباراة عام 1988 بمشاركة الثلاثي السوري الدولي نزار محروس وعبد القادر كردغلي وهيثم شحادة، ضد “الرياضة والأدب” وانتهت أنصارية 3-1، وكان الأسطة قد عاصر 3 أجيال في فريق الأنصار والمنتخب طيلة مسيرته من منتصف الستينات حتى منتصف الثمانينات.
بعدها توجه إلى التدريب، فاستلم فريق “الفتيان صيدا” عام 1989 وصعد به إلى مصاف نوادي الدرجة الأولى مع زميله عدنان الحريري، ثم عمل مع الجهاز الفني لـ”الأنصار” وسافر معه إلى “بانكوك” للمشاركة في تصفيات بطولة الأندية الآسيوية، ولكن تباينًا في وجهات النظر، أدت إلى إعلان انسحابه من الجهاز الفني وعاد إلى التدريب عام 1999 ونجح بترفيع الأهلي صيدا إلى الدرجة الأولى رفقة المصري محمد حسن “كاريكا” وفؤاد ليلا، ولكنه عاد ليترك التدريب مجددًا.
بعد اعتزاله سافر الأسطة مرات عدة إلى رومانيا بقصد التجارة، وقصد رئيس النادي سليم ليؤمن له وظيفة في شركة “سوليدير” فلم يرد له طلبه، ويعتبره الأسطة بأنه صانع أمجاد فريق الأنصار وهو الذي نقله من “تحت لفوق”، حسب تعبير الأسطة.
وسام الاستحقاق من فرنجية
ومن الذكريات مع المنتخب الوطني، يعتبر بأن مباراته أمام كوبا من الأجمل، حين فاز لبنان 1-0 على الملعب البلدي، ويومها قرّر رئيس الجمهورية حينذاك سليمان فرنجية منح اللاعبين وسام الاستحقاق، لكنه لم يصل عن طريق الاتحاد اللبناني وبقي مخبأ في الأدراج.
أما المباراة التي لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، فكانت أمام تونس في دورة القنيطرة العربية في دمشق عام 1974، حين قاد لبنان إلى فوز تاريخي 2-1 فصنع الهدف الأول حين اخترق من الميمنة ورفع الكرة إلى عاطف الساحلي الذي أودعها برأسه في الشباك، ثم كان سببًا في ضربة الجزاء التي سجل منها راشد دوغان هدف الفوز، وفي اليوم التالي عنونت الصحف “الأسطة يهزم تونس”، “ويومها وعدني رهيف علامة بمبلغ 100 ليرة ووفى بوعده”، بحسب قوله.
أما أجمل مبارياته مع الأنصار فكانت ضد باستيا حامل كأس فرنسا في كورسيكا وضد الهلال السعودي الذي يضم البرازيلي ريفيلينو عام 1978، والعديد من المباريات المحلية أمام الصفاء والنجمة والتضامن بيروت ضمن إطار دورتي 16 آذار والأضحى؛ كما شارك الأسطة معارًا إلى نادي الصفاء خلال رحلة له إلى الاتحاد السوفياتي عام 1976.
كما لا ينسى الأسطة مباراة لبنان أمام تايلاند حين استطاع تسجيل هدف جميل عام 1976، والمباراة أمام اليابان في دورة كأس رئيس جمهورية كوريا، ويومها أخبره زميله اللاعب محمد حاطوم أنه رأى في منامه رؤيا بأن المنتخب اللبناني سيضغط خصمه طيلة فترات المباراة ولكنه لن يفوز، وبالفعل تحقّقت رؤيا حاطوم، بحسب الأسطة، إذ حاصر المنتخب اللبناني خصمه طيلة الوقت لكنه تلقى هدفًا في الدقائق القاتلة.
ويختم الأسطة حديثه لـ”أحوال” قائلًا: “كرة القدم أعطتني محبة الجماهير كافة وتعلمتُ في “الأنصار” معنى الوفاء للنادي والولاء للكنزة التي ارتديها، وكان الجو آنذاك يسوده الود والمحبة بين اللاعبين، ولا أنسى الرحلات الخارجية الطويلة التي كنا نقوم بها وخصوصًا إلى رومانيا سنويًا، وهذا ما جعلنا نمتاز عن باقي الفرق باللياقة البدنية العالية، وكان يصعب على أي فريق أن يهزمنا”.
سامر الحلبي