منوعات

استقالة 20% من القضاة… السلطة الثالثة تترنّح

عدوى الهجرة انتقلت إلى السّلك القضائي بعد أن أصابت القطاعات الطبية والتمريضية والتعليميّة والأسلاك العسكريّة والأمنيّة، بعد الانهيار الشّامل الذي يشهده لبنان، لتأمين لقمة العيش الكريم خارج حدود الوطن، إذ أفادت معلومات عن تقديم ما يقرب 90 قاضيًا استقالاتهم أو طلب انقطاع عن العمل بغية الهجرة، ما يطرح العديد من التساؤلات حول خطورة الأمر، وآثاره الكارثية على سير العدالة في لبنان.

مصدر خاص أكّد لـ “أحوال” أنّ هذه القضيّة خطير جدًا، فنحن نتكلم عن السلطة الثالثة في البلد، ومهمّتها الرّقابة على حسن تطبيق القوانين التي تشرّعها السّلطة التّشريعيّة وتطبّقها السّلطة التنفيذية، وبنفس الوقت تسهر على حسن سير العدالة وتطبيقها بكلّ ما أوتي القاضي من روح العدالة والإنصاف، فالقضاة اليوم يتركون السّلك بطريقة غير صحّية، لسبب نهاية الخدمة ولا لانتهاء الأهليّة، وإنّما بهدف الهجرة والبحث عن مصدر رزق خارج لبنان.

وحذّر المصدر من أن المشكلة كبيرة وخطورتها تكمن بفقدان  ما يقرب العشرين بالمئة من عدد القضاة في لبنان (العدد الرّسمي للقضاة في لبنان 506)، حتّى وإن كان هذا التّرك على سبيل الاستيداع أي مؤقّتًا، لأنّ هناك فراغًا سيحصل في عناصر الدولة والتي عمادها السلطات، ولربما أهمها السلطة القضائية.

لم نفقد السّلك القضائي كلّه ولكن الذي يحصل هو تصدّع في هذه السّلطة، وهنا تكمن الخطورة، والسبب في ذلك اقتصادي واجتماعي وليس سياسي، لأنّنا في لبنان نعيش على التناقضات منذ عشرات السنوات، ولم تؤدِّ يومًا إلى هذه الفجوة الكبيرة التي ستؤدّي إلى زعزعة العامود الثالث للدولة، وفق ما أشار المصدر.

ولفت المصدر إلى أنّ عدد الشكّاوى ازداد إلى حدود 40% بسبب الازدياد السّكاني ووجود النّازحين السّوريين وما يترتب على ذلك المزيد من المخالفات وازدياد القضايا المثارة أمام المحاكم، إلى جانب العدد الضئيل للقضاة، إضافة إلى تراكم الملفات في المحاكم، واليوم مع هذه الهجرة سيصبح العجز في عمل المحاكم قرابة السّبعين في المئة، لافتًا إلى أنّه في حال طلب معهد الدروس القضائية قضاة متدرّجين فسيتقدّم الكثير من حملة إجازات الحقوق، لكنّ هذا القاضي المتدرّج بحاجة إلى ثلاث سنوات من أجل التّخرّج ليصبح قاضي حكم، وبهذا نكون لا زلنا في المشكلة عينها.

ودعا المصدر إلى تعويض هذا النّقص في السّلك عبر الاستعانة بأساتذة الجامعة اللبنانية أو إقامة دورة للحقوقيين في معهد الدروس القضائيّة من موظفي الدولة كما حصل سابقًا، إذ أخذوا الأهلية خلال ستّة أشهر، ضمن شروط معيّنة تم وضعها.

السّلطة الثالثة في الدّولة المنهارة آخر شاهد على أركان الدّولة، فإن لم يُبادَر إلى استدراك هذا النّقص الحاصل ومعالجة هذا التّصدّع، فإنّنا ذاهبون إلى الانهيار الحتمي لهذا السلك الذي كان خيمةً وملجأً للمواطنين وللمؤسّسات، والأمل الأخير لإعادة الانتظام العام وبناء الدولة، فإن حصل هذا الانهيار، فهذا يعني أنّ لبنان أصبح في عداد الموتى.

منير قبلان

باحث قانوني. إعلامي ومعد برامج وتقارير سياسيّة واجتماعية. يحمل شهادة الماجيستير في الحقوق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى