ترسيم الحدود إلى الواجهة من جديد: دفعٌ أميركي وشروط لبنانية
بعد حوالي أربعين يومًا على إلغاء جلسة التفاوض السادسة في 5 أيار الماضي، التي كانت مقرَّرة لاجتماع الوفدين اللّبناني والإسرائيلي، يستعيد الوسيط الأميركي حراكه لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلّة.
ما الجديد الطارئ الذي استدعى قدوم السفير جون ديروشيه إلى لبنان في ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في الناقورة، التي تعثّرت بعد الاستياء الإسرائيلي من ما قدّمه الوفد اللبناني من ملفات تثبت الحق اللبناني في المزيد من الخطوط؟ وهل من معطيات جديدة توحي بتقدم في هذا الشأن؟
الرد على هذه الأسئلة، مختصراً: لا جديد! ومبعوث الإدارة الأميركية لا يملُك في جعبته سوى تمنيات ونصيحة بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات في الناقورة بضيافة الأمم المتحدة، متبنيًا وجهة النظر الإسرائيلية التي تطلب حصر التفاوض على مساحة 860 كلم مربعاً دون زيادة، فيما أبقى لبنان على شروطه بتحصيل حقوقه.
بزيارة غير محسوبة، ووسط انشغال لبناني بلا تشكيل الحكومة ولا بنزين ولا دواء قفز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل الى الواجهة فجأة مع وصول رئيس الوفد الأميركي الراعي لمفاوضات الناقورة السفير دون دوروشيه الى بيروت عصر أمس.
ديروشيه استمع إلى وجهة النظر اللبنانية حول المفاوضات، وبحسب مصادر بعبدا فإن لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون مع الموفد الأميركي، كانت “زبدته” عرض وجهة النظر اللبنانية حول شكل ومضمون العودة إلى طاولة المفاوضات. وقد سمع الزائر الأميركي كلاماً واضحًا ومباشراً من عون عن تمسّك لبنان باستئناف التفاوض، تماماً كما تمسّكه برفض اشتراط إسرائيل مسبقاً على حصر التفاوض حول مساحة 860 كلم مربعاً للبنان. كما أبلغ عون الضيف الأميركي، ضرورة اللّجوء إلى القانون الدولي لحلّ النزاع في هذه النقطة.
ما أبلغه عون إلى ضيفه بحسب بيان عن رئاسة الجمهورية هو “رغبة لبنان في استمرار المفاوضات غير المباشرة بوساطة أميركية واستضافة دولية، بهدف الوصول إلى تفاهم حول الترسيم، على نحو يحفظ حقوق الأطراف المعنيين بالاستناد إلى القوانين الدولية”. وعون طلب من “الوسيط الأميركي ممارسة دوره للدفع نحو مفاوضات عادلة ونزيهة، ومن دون شروط مسبقة، لأن ذلك يضمن قيام مفاوضات حقيقية مستندة إلى الحق الذي يسعى لبنان إلى استرجاعه”.
انفتاح لبنان على الأفكار المطروحة ضمن إطار السيادة اللبنانية الكاملة براً وبحراً، لا يعني التنازل عمّا سلف في الجلسات السابقة، بحسب مصادر بعبدا. وفي حال عدم تجاوب الإسرائيليين مع الجهود المبذولة لتحريك المفاوضات فلدى لبنان خيارات عدّة يمكن الركون إليها، كما قال الرئيس.
الموفد الأميركي، الذي يترك مهمة الوساطة في هذا الملف، بعد أن يتسلّم قريباً منصبه الجديد كسفير لبلاده في البحرين، ردّ على الموقف اللبناني بطلب العودة إلى المفاوضات من دون شروط أو تمسّك بسقوف محددة، بحسب مصادر مطّلعة ملمّحاً إلى أن مساحة الـ860 كيلومتراً هي أفضل ما يمكن أن يحصل عليه لبنان.
في تشرين الأول 2020، انطلقت المفاوضات غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة، وبوساطة أميركية، إثر نزاع على منطقة في البحر المتوسط غنية بالنفط والغاز. ومنذ ذلك التاريخ، جرت 5 جولات تفاوض غير مباشرة بين الجانبين لترسيم الحدود البحرية، آخرها كان في الرابع من أيار الماضي.
وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كلم، بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، لكن الوفد اللبناني المفاوض يقول إن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كلم. وكان الوفد اللبناني قدم خلال إحدى جلسات المحادثات الأخيرة خريطة جديدة تدفع باتجاه 1430 كلم، إضافيًا للبنان، وهو ما ترفضه إسرائيل.
منذ ذلك الحين الموقف اللبناني على حاله، رغم المواقف الإسرائيلية المتشنجة من هذه النقطة. وما سمعه المبعوث الأميركي من رئيس الجمهورية في بعبدا، أنصت إليه مجدداً في اليرزة خلال لقائه قائد الجيش العماد جوزف عون والوفد المفاوض برئاسة العميد بسّام ياسين وبقي الموقف اللبناني موحداً. وقالت مصادر مطلعة على الموقف، أنّ الوفد جاهز لمناقشة أي عرض جديد يستند الى ما تقول به اتفاقية قانون البحار، وما انتهى إليه الوفد اللبناني في المراحل السابقة من ترسيم للخط البحري الذي تجاوز الخطوط السابقة بعد التوصل الى الخط 29، والذي ما زال ينتظر تعديل المرسوم 6433، الذي من شأن تعديله أن يكرّس حق لبنان بمساحة 1430 كلم مربعاً، مضافةً إلى الـ860 كلم مربعاً، بحيث يصبح المجموع 2290 كلم مربعاً.
ووفق المعلومات، أكّد السفير ديروشيه لرئيس الجمهورية والوفد اللبناني المفاوض، أنّه سيلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد نيفتالي بينيت ومسؤولين آخرين، لبحث استعداداتهم للعودة إلى طاولة المفاوضات. وأيضاً لاستطلاع أي نية لتشكيل وفد جديد للمفاوضات تحت راية بينيت.
زعيم حزب “يمينا” اليميني نيفتالي بينيت، الذي تغلّب بأكثرية 60 صوتًا على زعامة بنيامين نتنياهو التي دامت 12 عامًا، قال في مسألة ترسيم الحدود “هذا الملف استراتيجي بالنسبة إلى إسرائيل والخلاف تقني لكنه تحول إلى سياسي من الجانب اللبناني. ما يهم إسرائيل التمسك بجزء من هذه المنطقة الغنية بثرواتها النفطية”. وتابع “في أي حال لا بد من الإعتراف بأن لبنان خسر فرصة استخراج النفط عندما رفض عرض هوف”.
هذا الموقف يوحي أن العودة إلى طاولة المفاوضات في الناقورة ليست بهذه السهولة، وبكل الأحوال لن تعقد جولة جديدة للمفاوضات بين الوفدين اللبناني والاسرائيلي برعاية أميركية في وقت قريب، قبل تشكيل حكومة الاحتلال الجديدة، على الرغم من عودة فتح الباب مجدداً على هذا الملف.
الملف ساخن ضمن الملفات التي تتابعها الإدارة الأميركية، وستواصل ملاحقة الطرفين للعودة إلى طاولة التفاوض. وفي هذا السياق، عُلِمَ من مصادر متابعة أنّ حركة الموفدين في الأسابيع المقبلة ستُستأنف إلى بيروت لإعادة تحريك ملف ترسيم الحدود بعد أن تكون حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت قد حدّدت أولوياتها. وتلفت المصادر إلى أن مبعوثاً جديداً من الخارجية غير السفير جون ديروشيه سيأتي إلى لبنان لوضع ملف الترسيم على طاولة النقاش والانتهاء منه بأقرب وقت.
رانيا برو