منوعات

ترامب في أيامه الأخيرة… الاغتيالات بديلة من الحرب  

ليست هي المرّة الأولى التي يلجأ فيها الأميركيون أو الإسرائيليون إلى تنفيذ عمليات اغتيال بحق مسؤولين أو علماء إيرانيين، سواء على أرض الجمهورية الإسلامية أو خارج مساحة أراضيها. أساساً، لجأت إسرائيل مراراً في العقود الماضية إلى اعتماد عمليات الاغتيالات والتصفيات بديلاً من الحروب الواسعة. حصل ذلك في بيروت بحق قادة فلسطينيين ولبنانيين أكثر من مرّة، وفي دمشق، وطهران، وبغداد، وعواصم أخرى. لكنّ الجرأة الأميركية والإسرائيلية تجلّت باغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في سوريا، ثمّ تنفيذ عملية اغتيال العالم النووي محسن زادة في طهران الآن. رغم عدم تبني لا الأميركيين ولا الإسرائيليين آخر عملية اغتيال. لكنّ المؤشرات تتراكم لتؤكد أنّ تل أبيب هي المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ بمعاونة عملاء إيرانيين أو جماعة “مجاهدي خلق”، أو ربما هناك شراكة أميركية-إسرائيلية في الإعداد والتنفيذ لتلك العملية الخطيرة جدّاً بحسابات إيران.

هل انتهت عمليات الاغتيال؟ لم تتوقّف تلك العمليات يوماً، لكن وتيرتها كانت تحدّدها عوامل عدّة، أبرزها حدّة المعركة وطبيعة المرحلة. وبما أنّ الحرب الشاملة مستبعدة ضد إيران، رغم محاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعي لتنفيذها في آخر عهده، فإنّ عمليات التصفية والاغتيال تصبح بديلة من الحروب التقليدية، أو الرسائل النارية.

أساساً، يعرف الإسرائيليون أنّ ضريبة الحرب العسكرية باتت مكلفة حالياً، وقد تؤدي إلى ضرب عناصر قوّة إسرائيل وإشعال جبهات عدّة يصعب على تل أبيب مواجهتها دفعة واحدة. وبما أنّ المطبّات أمام ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كبيرة لمنع حصول حرب عسكرية مفتوحة وتقليدية، فإنّ الاغتيالات هي وسيلتهم المُتاحة لاستهداف إيران وحلفائها في الإقليم.

لذا، فإنّ إجهاض أي مشروع اغتيال لقادة مقاومين أو علماء هو السبيل للنجاح في هذه المعركة الاستخباراتية المفتوحة.

أمّا الحديث عن الردّ الإيراني المُحتمل، فلا توحي المعطيات بأنّ طهران ستقوم بعملية عسكرية للردّ خلال ما تبقى من عُمرِ ولاية ترامب. وإذا حصل اتفاق أميركي- إيراني مطروح بشأن الملف النووي، سينسحب على باقي الأجواء الإيرانية والأميركية. لكن هل ترتدع إسرائيل؟ هناك من يقول أنّ تل أبيب لجأت إلى تنفيذ عملية اغتيال زادة لأنّها شعرت بأنّ فرصة الحرب الأميركية ضد إيران سقطت، وأنّ إدراة بايدن الآتية لن تقبل بمواجهة مع الجمهورية الإسلامية، لا بل تتجه إلى تسوية، ولو بعد حين. لذا، سعى الإسرائيليون بمباركة من إدارة ترامب على تنفيذ العملية للتخلص من أبرز العلماء النووين في العالم. وهنا لا يمكن الجزم لا بأن يكون هذا الاغتيال هو الأخير، ولا أن يكون هناك أهداف إسرائيلية أخرى بحق نافذين ومؤثرين وصاحبي أدوار في محور المقاومة، سواء في إيران أو خارجها. رغم أنّ الإسرائيليين نشطوا في تسيير طائرات استطلاع فوق لبنان، وهم يراقبون الساحة السورية على مدار الساعة، إضافة إلى أنّ طبيعة العملية الأخيرة في طهران أظهرت أنّ عملاءهم ناشطون داخل الجمهورية الإسلامية.

من ناحية ثانية، تسرّبت معلومات عن إمكانية أن تكون “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة ممتعضة ممّا حصل من عملية اغتيال بحق زادة، رغم أنّ الأخير هو “أبو النووي” في إيران، المطلوب إزاحته من المشهد. خصوصاً أنّ تلك الدولة العائدة إلى القرار مع بايدن بعد خلع دورها من قبل ترامب طيلة أربع سنوات مضت، سبق وسرّبت أنباءً عن عدم رضاها عن سيل العقوبات التي يصدرها ترامب بحق طهران لفرض واقع يعطّل أو يؤخر أي اتفاق نووي آخر يُشبه ما حصل أيام إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

وعليه، فإنّ المعادلة التي تتحكّم في الأسابيع المتبقية من عمر إدارة ترامب تجاه إيران هي: عقوبات واغتيالات. ممّا فرض الحذر في كل مساحات إمتداد “محور المقاومة”، بإعتبار ألاّ وجود لموانع تنفيذ عمليات مشابهة ضد شخصيات قيادية وفاعلة، خصوصاً أنّ أخطر ما في عملية اغتيال زادة، إضافة إلى نوعية الشخصية المُستهدفة، هو الطريقة والمكان: خرق استخباراتي إسرائيلي خطير لإيران. فكيف الحال في ساحات مخترقة أساساً سواء في العراق أو سوريا أو لبنان؟

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى