فور خروجه من المطار، وتوجّهه إلى الرابية للقائه السيّدة فيروز، فوجئ الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهتافات لبنانيين غاضبين رافضين لتسمية مصطفى أديب لرئاسة الحكومة العتيدة، تنصّل الرّئيس الضّيف من الرئيس المكلف وتحدّث إلى جموع الغاضبين.
قال ماكرون “لست أنا من سمّى الرئيس المكلف بل القوى السياسية في بلادكم”، كما فعل عندما وبّخ الصحافيين الذين عاتبوه في زيارته السّابقة إلى لبنان للقائه سياسيين فاسدين، قال إنّهم نتاج انتخابات ديموقراطية قررها الناخبون اللبنانيون وإنّ هؤلاء هم من يتحمّلون تبعات خياراتهم السياسيّة، وإنّ على عاتقهم يقع التغيير وليس على عاتقه هو.
لم يقنع جواب ماكرون فيما يخص مصطفى أديب جموع الغاضبين، فالفرنسيون ربحوا الكباش في وجه الأميركيين وتمَت تسمية أديب مقابل إقصاء نواف سلام، وعاد ماكرون ليشرف على خارطّة طريق وضعها الشهر الماضي، مهدداً السياسيين بسيف العقوبات إن أخفقوا أو تقاعسوا عن تنفيذ المطلوب منهم، في مشهد لم يصب حتى دعاة الحرية والسيادة والاستقلال بالاستياء، فثمّة قادة قاصرون تسببوا بانفجار العاصمة وإفلاس البلد.
لماذا اختارت فرنسا السفير مصطفى أديب دون سواه؟ الخبير في العلاقات الفرنسية تمام نور الدين، يقول في اتصال مع “أحوال” إنّ الفرنسيين رشّحوا أديب لأنّهم يعرفونه، نافياَ أن يكون ماكرون نفسه هو من طرح اسم أديب، يقول “الدولة الفرنسية دولة عميقة، وثمّة جهاز مخابرات خارجية وأمن خارجي يديره برنار إيمييه منذ العام 2017، وهو كان سفيراً في لبنان، وقد سبق وطرح اسم الرئيس نجيب ميقاتي بعد اغتيال الرئيس الحريري عام 2005، وهو اليوم من طرح اسم أديب”.
لفت أديب أنظار الفرنسيين منذ كان لا يزال طالباَ يدرس القانون الدّولي في فرنسا، حين قدّم رسالة الدكتوراه، يشير نور الدين إلى أنّ الفرنسيين طلبوا يومها عدم نشر الرسالة لأنّها تضمّنت معلومات أمنيّة حساسة، وهنا تعرّف إليه الفرنسيون إذ كان ثمة جنرالات في لجنة مناقشة رسالته.
ما هي حظوظ أديب في تأليف الحكومة؟
يقول نور الدين إنّ الحظوظ قائمة إذا لم يقم التركي بعرقلة تأليف الحكومة، واليوم تزداد الفرص كلما قلّت العرقلة.
بين دياب وأديب لماذا دعمت فرنسا الأخير ولم تعطِ فرصاً للأوّل؟ يقول نور الدين “لأن دياب نفسه كان ضد فرنسا، وكان أميركي الهوى، وقد توّج موقفه المعادي من فرنسا بموقفه من وزير خارجيتها”.
هل عاد الانتداب الفرنسي إلى لبنان؟ يتصرّف ماكرون وكأنّه المندوب السامي، يوبّخ المسؤولين، يهزّ لهم العصا، يهدّد بعقوبات، له الكلمة الأولى والأخيرة، بقبول شعبي بانت مفاعيله في زيارته الأولى، وتكلّلت بالزيارة الحالية، فهل بات للبنان مندوباً سامياً يأمر وينهي والمسؤولون في لبنان يقدمون فروض الولاء والطاعة؟
يقول نور الدين “العالم تغيّر وأشكال الانتداب تغيّرت، اليوم الدول الكبرى تستعمر الدول الأصغر اقتصادياً، ولبنان لم يكن يوماً غير خاضع لانتداب أجنبي من فرنسي إلى إسرائيلي وسعودي وأميركي، وهو نوع من أنواع الوصاية لأنّ اللبنانيين قاصرين لدرجة أنهم فجروا قنبلة في المرفأ”.
لطالما كانت فرنسا أم الموارنة الحنون، فأم من هي اليوم؟
يقول نور الدين “اليوم ثمة احتضان شيعي للمحور الفرنسي بينما تاريخياً كان المسيحيون مع فرنسا، اليوم المسيحيون منقسمون بين فرنسا وبين المحور الأميركي والعثماني”.