الجبهة الجنوبية: اسرائيل تقاتل “أشباح” حزب الله.. ماذا عن صمت نصرالله المُريب؟
في شرق أوسطٍ مُشتعلٍ، كان من عجائب الدنيا السبع أن ينجو بلد كلبنان من نيران الحروب التي تلفّه من كل حدبٍ وصوب، خاصةً وأن هذا البلد المليء بالتناقضات، لديه شراهة كبيرة على الاقتتال الداخلي حيث تُعشش الطائفية وتنمو في تربة السياسة الخصبة، والماضي كما الحاضر شاهدان على ذلك.
وعلى ما يبدو، فالبلد الذي ممنوعٌ عليه الانهيار كما الازدهار، عليه التعايش مع فكرة الوسطية، أي أن يعيش اللّبنانيون كل يوم بيومه، ينامون على ضربات معادية محدّدة جنوباً، ويصحون في اليوم التالي بشكلٍ طبيعيّ وكأن شيئاً لم يحصل. فتارةً هناك انهيار مالي كبير وطوراً هناك حلول سياسية ستنعكس إيجاياً على الاقتصاد. في لحظات معيّنة هناك فاجعة كبيرة ستدمّر عروش السياسيين وتجمع العالم حول لبنان لإنقاذه، وأحيانًا أخرى هناك اتفاقيات تُحاك خلف الكواليس بين الخارج والداخل، تتمثل بترسيم الحدود البرّية والبحرية وتقليم أظافر “حزب الله” مقابل عودة الهدوء الأمني والاقتصادي للبنان.
وما بين أعداء الداخل والخارج، برز في الأيّام الماضية التحرّك المعادي جنوباً، حيث اشتعلت الجبهة الجنوبية مجدداً بصواريخ فوسفورية اطلقها جيش العدو الإسرائيلي على القرى الحدودية، بسبب وجود عمل أمني يحصل كما ادّعى، في سيناريو مُشابه لما حصل قبل تفجير الرابع من آب حيث قام العدو بقصف القرى الجنوبية بزعمه أنّ مجموعة تابعة لحزب الله تسلّلت إلى الداخل المحتل، ليعود حزب الله وينفي ضلوعه في العمليتين، على قاعدة أن “العدو يتشاجر مع نفسه ومع أشباح الحزب”. وما بين الحالتين، تُستباح السيادة اللبنانية وينهار البلد المتهالك أكثر فأكثر.
فما سبب التحركات المعادية جنوباً في الآونة الاخيرة، إلى أن باتت خبراً يمرّ عليه اللبنانيّون مرور الكرام وكأنّه أمرٌ روتينيّ، فيما ينفي حزب الله بشكلٍ قاطع أن يكون قد افتتح إشكالاً على الحدود؟
صمت إيجابي لـ”حزب الله”
يُجيب الخبير العسكري، رئيس مركز الشرق الأوسط للدارسات العميد هشام جابر في حديث لـ”أحوال” أن “ما يحصل جنوباً مرتبط تماماً بالتجديد لليونيفيل، وما تقوم به إسرائيل حتما هو لإيجاد سبب تُقنع فيه المجتمع الدولي لتعديل مهمات اليونيفيل، في الوقت الذي يرفض فيه لبنان الرسمي والشعبي تعديل مهمات اليونيفيل”.
وعمّا إذا كان بانتظار لبنان حرب جديدة مع العدو الإسرائيلي في القريب العاجل، قال جابر: “لا أرى أي حرب في هذه المنطقة، لعدّة أسباب، أولّها قاعدة “من يطلق الرصاصة الأولى”؟، وأنا أعتقد أن الطرفين مدركان لهذا الكلام وأهمية إطلاق الضربة الأولى ، فإذا إسرائيل قامت بالضربة الأولى، ستكون هي المعتدية تجاه المجتمع الدّولي، ولن تستطيع أن تتحمّل تداعياته تجاه المجتمع الاسرائيلي. أما من جانب حزب الله، فليس من مصلحته أن يتحرّش بإسرائيل ويطلق الضربة الأولى لأنّه سيتحمل مسؤوليته، والشعب اللّبناني لا يقبل أن يُجر إلى حرب خاصةً في مثل هذه الأوضاع التي يمرّ بها لبنان، فالشعب اللّبناني يقبل أن يردّ حزب الله العدوان الإسرائيلي عنه إذا فتحت إسرائيل، ولكن معظم الناس ليسوا مع الحزب إذا قرّر هو من نفسه فتح الحرب مع إسرائيل”.
وفي السياق عينه، تابع جابر: “النقطة الثانية هي أنّ إيران ليست مستعدة لأن تفتح الجبهة الجنوبية لأسباب عديدة، ولا أميركا وترمب ممكن أن يسمحا لإسرائيل أن تقوم بالضربة الأولى، وهذه الاعتبارات دولية، أمّا النقطة الثالثة فهي أنّنا لسنا وحدنا في هذه المنطقة وبالتالي فتح الحرب على لبنان يعني فتح الحرب على الجبهة السورية، يعني تورّط الدولة السورية والنظام السوري في الحرب، وبالتالي ستمتد الحرب تلقائياً إلى الجبهة السورية وحتى روسيا المتواجدة في سوريا، إذا سقطت الجبة لن تقف متفرّجة وستتورط بشكل أو بآخر”، ليضيف جابر: “حسب معلوماتي، روسيا أفهمت نتنياهو عدم فتح الجبهة الجنوبية في لبنان لأنّ ذلك سيُورّطها”.
أمّا عن الصمت المريب لحزب الله عما يحصل جنوباً، أو بمعنى آخر تأّخره عمداً عن إصدار بيانات تكون في أغلبها نفض اليد مما يحصل أو سرد الأحداث فقط لا غير على قاعدة أن “إسرائيل تتقاتل مع نفسها”، قال جابر: ” إسرائيل في حالة تأهب بانتظار ردّ حزب الله على مقتل عنصر من عناصره في سوريا، والحزب ليس منزعج من تأهّب العدو وهذا في صالحه، لناحية الضغط النفسي على العدو ووضعه في حالة ارتياب دائم، وأيضاً والأهم هو عدم إعطاء اسرائيل ما تريده لناحية التمديد لليونيفيل وتعديل مهامها، خاصةً وأنّ حزب الله يعاني اليوم من أزمة مع المجتمع الدّولي واللّبناني لنايحة نزع سلاحه أو توريطه في انفجار المرفأ”، خاتمًا كلامه بالقول: “صمت حزب الله أيضاً مرتبط بالتوتر الكبير الذي يسود علاقة الحزب مع حليفه “حركة أمل”، ممّا يحتّم على الحزب أن يعيد ترتيب وضعه بأقل خسائر ممكنة وبصمت”.
مريانا سري الدين