اختراق اتفاقيات إبراهيم في مواجهة فلسطين المقاومة
حاولت أميركا تحييد العالم العربي عن قضية الفلسطينيين، وسعت واشنطن العام الماضي لتنفيذ خطة سلام في الشرق الأوسط في إطار مشروعها الشرق أوسطي الجديد.
اليوم، بعد 16 شهرًا، يرى العالم العربي نفسه كيف كانت “تعسّ” نيران المقاومة الفلسطينية بهدوء لتنفجر بركاناً أمام سياسة التهويد العرقية، والتمدد الاستيطاني، والتطهير العنصري، والقصف الوحشي.
وإزاء مقاومة الفلسطيني للاعتداءات “الإسرائيلية”، وارتباك الأخيرة، تنشغل أميركا في أمور كانت حدّدتها إدارة بايدن كأولوية، منها منافسة الصين واتفاقها النووي مع إيران، ومحاربة وباء كورونا، وتعزيز الديمقراطية. واقتصر تدخلها الأخير في فلسطين المحتلة على الحث لوقف “العنف” و إرسال مبعوثها، الأمل الحقيقي الوحيد على المدى القريب للثنائي الأميركي الإسرائيلي. هادي عمرو، المبعوث الخاص والمتخصص المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، أرسله وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى إسرائيل هذا الأسبوع، لإيجاد طريقة لإعادة “إسرائيل” إلى موقع يدفع أكثر من مجرد كلام، للعناصر الأساسية في مبادرة كوشنر للسلام في الشرق الأوسط.
في البداية، بدا الأمر للعالم وكأنّ خطة السلام على طريق النجاح؛ على الرغم من أن الممثلين الفلسطينيين رفضوا الخطة بأكملها منذ البداية ورفضوا المشاركة في أي جانب من جوانبها، فإنّ اثنين من أعداء إسرائيل في المنطقة، البحرين والإمارات العربية المتحدة، يليهما المغرب والسودان، والذين عكسوا أجيالًا من العداء، فتحوا علاقات دبلوماسية وسمحوا برحلات جوية تجارية. فما الذي يحصل اليوم؟
القضية الفلسطينية تشتعل من جديد
فيما يتخبط الأميركيون فيما بينهم باصطفافات سياسية، تتهم فيها بعض الأطراف بايدن بعرقلة خطة السلام، فاتهم أنّ الفلسطينيين يشتعلون مقاومة دفاعاً عن الأرض والحق والقضية… والمقدسات.
اعتقدت إدارة ترامب أنّها انتصرت من خلال انخراط “إسرائيل” بشكل علني ورسمي مع الدول التي رفضت الاعتراف بوجودها لسنوات. وتلقف هذا التطوّر غير المسبوق دعمًا من الحزبين في الولايات المتحدة، وأراد الكثيرون من بايدن أن يبني على الأساس الذي تركه ترامب له.
ورأى ترامب أنّ العديد من هذه الدول وغيرها من الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية، هي من الداعمين الرئيسيين للفلسطينيين في نزاعهم المستمر منذ عقود مع إسرائيل؛ لكن من خلال حمل هذه الدول على التفاعل مع إسرائيل، كانت الفكرة أنها قد تترك دعمها للفلسطينيين ينزلق ويقترب قليلاً من الإسرائيليين.
بالمقابل، حمّل السناتور الأميركي الجمهوري بيل هاجرتي الذي كان يشغل منصبه بـ13 موظفًا سابقًا في إدارة ترامب، الإدارة الأميركية مسؤولية ما يحصل في فلسطين المحتلة؛ واعتبر أنّ اندلاع العنف بين “إسرائيل” وحماس هذا الأسبوع هو جزء من خطأ الرئيس جو بايدن.
وكتب هاجرتي على تويتر يوم الأربعاء “شهدنا الخريف الماضي تحوّلا فاصلا نحو السلام مع اتفاقات إبراهيم. كانت المنطقة بأكملها حريصة على المزيد. كان أمام بايدن 4 أشهر للبناء على هذا… بدلاً من ذلك، بدّد بايدن تلك الأشهر الأربعة “.
إسرائيل وأميركا تخترقان اتفاقيات السلام
توازياً مع دور المقاومة الفلسطينية، توفّرت بعض العلامات التي تنذر بدفن خطة السلام. الخطة، التي أصبحت تُعرف برؤية جاريد كوشنر للسلام – تكريماً لجهود صهر الرئيس السابق- أوضحت في خريطة مفصلة لإسرائيل توقف التوسع في أي نشاط استيطاني جديد لها في فلسطين المحتلة. ومع ذلك، سمحت الخطة لإسرائيل بضم مستوطناتها الحالية في الضفة الغربية – في انتهاك للقانون الدولي.
وبالفعل، زعمت سلسلة من “نقاط الحوار”، التي أرسلها كوشنر ووزارة الخارجية إلى جميع السفارات الأميركية، والتي حصلت عليها بوليتيكو ونشرتها، أنّ “إسرائيل وافقت على التزام سياساتها بهذه الرؤية لمدة أربع سنوات على الأقل، بما في ذلك التجميد لجميع الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية في المناطق التي تحددها هذه الرؤية لدولة فلسطين المستقبلية “.
إلاّ أنّ نتنياهو، الذي يواجه الآن احتمالات إجراء انتخابات خامسة في غضون عامين بعد فشله في تشكيل حكومة، لم يحترم هذا الأمر، واستمر في الزحف الاستيطاني الشيطاني.
ومن الواضح أن نتنياهو وبايدن على خلاف حول بعض القضايا المركزية في المنطقة، لا سيّما هدف الرئيس المتمثل في إحياء الاتفاق النووي الإيراني، الذي يعتبره الزعيم الإسرائيلي لعنة.
وقد حث بيان مشترك صدر في وقت سابق من هذا الشهر عن خمس دول أوروبية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا) على وقف توسعة 540 منزلاً جديداً في الضفة الغربية، وطالب إسرائيل “بوقف سياستها الخاصة بالتوسع الاستيطاني في أنحاء الأراضي المحتلة”.
مصاحبة لهذه الأعمال الاستفزازية، اشتدت الاحتكاكات مع الفلسطينيين، ما أدى الآن إلى حرب شاملة. وتعترف أميركا أنّ الشرارة المباشرة للمحادثات العنيفة هي تصرفات الشرطة “الإسرائيلية” التي أطلقت قنابل الصوت داخل المسجد الأقصى في القدس، أحد أقدس الأماكن في المدينة، يوم الاثنين. وفي الوقت نفسه، اشتبكت الشرطة “الإسرائيلية” أيضًا مع فلسطينيين بسبب تهجير عدد من العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس. في حين أن الهجوم على المسجد الأقصى وعمليات الإخلاء في القدس ربما كانا السببين الأكثر إلحاحًا، إلا أنّ التوسع الكلي للمستوطنات، دون رادع، وفّر جوًا كان بمثابة تيار خفي سمّم الاتفاقية.
لم تقل إدارة الرئيس جو بايدن سوى القليل عن الرؤية من أجل السلام، على الرغم من أن كوشنر نفسه، في مقال رأي في وول ستريت جورنال في مارس، وصف الصراع العربي الإسرائيلي المستمر بأنه “ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولا داعي لتعطيل علاقات اسرائيل مع العالم العربي الاوسع “.
وبالانتقال إلى الاقتراحات حول الكيفية التي يمكن أن يتقدم بها بايدن، أوضح: “الجدول جاهز. إذا كانت ذكية، فإنّ إدارة بايدن ستنتهز هذه الفرصة التاريخية لإطلاق العنان لإمكانات الشرق الأوسط، والحفاظ على أمن أميركا، ومساعدة المنطقة على طي الصفحة، على جيل من الصراع وعدم الاستقرار”.
لسوء حظ أميركا واسرائيل، فإنّ بعض هذه “الأعمال العقارية” بالتحديد هي التي سمّمت الأجواء المشحونة دائمًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
قوى الاحتلال في انتهاك دولي جديد
والآن يدور الرأس حول ما يمكن أن تفعله الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. في حين أن هناك مزايا تجارية كبيرة – خاصة فيما يتعلق بالتجارة والسياحة – بالنسبة لهم في الحفاظ على العلاقات، فإنّ الإعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والضربات اليومية على غزة قد أتثبت كلفتها. فما هو الثمن الذي ستدفعه الدول العربية المطبعة بعد تلك الاحتفالات؟
فقد أعلن وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، أن بلاده تعوّل على ”اتفاقيات إبراهيم“ لتحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، في ظل تصاعد العنف.
وقال الشيخ عبدالله بن زايد في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إنّ بلاده“تعرب عن قلقها البالغ إزاء تصاعد أعمال العنف في إسرائيل وفلسطين، وتتقدم بخالص التعازي في جميع الضحايا الذين سقطوا جراء أعمال القتال الأخيرة.”
إنّما من جديد، تثببت سلطة الاحتلال عدم احترامها لأي اتفاق، وخرقها لاتفاقية إبراهيم ليس استثناء. فحكومة نتنياهو خذلت العالم حتى من شملتهم اتفاقية السلام، ولم تظهر استعدادها للالتزام بالاتفاقيات الدولية لا سيّما فيما يتعلق بوقف توسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
ما تغفل عنه “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية هو الاعتقاد بأن المزيد من الاتفاقات الجانبية التي لا تشمل الفلسطينيين ستؤدي بطريقة ما إلى السلام بين الإسرائيليين من جهة والفلسطينيين والعرب من جهة أخرى؛ إنّما صرخات العرب المنددة بما يحصل في فلسطين المحتلة، ترافقها أصوات أميركية تصدح للمرة الأولى بحق فلسطين يشي بفشل تقديرات الثنائي بأنّ تحييد العالم العربي عن القضية، ستحييه من جديد دماء الأطفال وسواعد المقاومين.