مجتمع

“نزيف الدماء” في “رومية” يفتح ملف المحكومين

مصادر أمنية لـ"أحوال": نعالج أسباب "التمرد" واحتوينا الغضب

فيما يغصّ المشهد الداخلي بالأزمات وينشغل القضاء بصراعاته الداخلية، انتفض السجناء في مبنى المحكومين في سجن رومية اعتراضاً على الأوضاع السيئة التي يعيشونها.

وللمرة الأولى يلجأ السجناء إلى هذا الأسلوب من “التمرّد”، إذ انتشر فيديو لأكثر من 30 سجيناً وهم “يشطبون” أجسادهم بـ”الشفرات”، حيث قام أحد السجناء، بحسب ما علم “أحوال”، بتصوير “الفيديو” ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي، علماً أن مصادر أمنية أوضحت لموقعنا أن “الشغب اقتصر على مبنى المحكومين فقط وليس في جميع مباني السجن، كما أن هذا الأسلوب ليس بجديد بل سبق لبعض السجناء أن اعتدوا على أنفسهم بـ”السكاكين”.

وأعادت صورة “نزيف الدماء” فتح ملف السجون المحكومين منهم والموقوفين، إذ كشفت أوساط مطلعة على أوضاع السجناء لـ”أحوال” أن “تردي الأوضاع الصحية والغذائية التي يعيشها السجناء، هو ما دفعهم للانتفاضة”، واصفة ما يحصل في سجن رومية بـ”الجريمة الإنسانية”. وأضافت في معرض وصفها لما يجري: “يُكدَّس السجناء كأكياس البطاطا في غرفة صغيرة وكأنهم في “زريبة” حيوانات، ويتعرّضون للعنف ويُحرمون أدنى حاجاتهم، وحتى التواصل والاتصال مع ذويهم عبر “التلكارتات” لم يعد متوفراً، إلى جانب تقنين استقدام الطعام من المنازل وحتى أن “أكل المطاعم” صار ترفاً وحكراً على “السجناء المقرشين” في ظل ارتفاع سعر “وجبات الطعام” وخدمة “الدليفيري”، كما أن إعداد الطعام في السجن بات مُكلفاً، فما السبيل؟”، هذا فضلًا عن غياب وسائل التبريد والتدفئة بسبب انقطاع الكهرباء”.

وفي سياق متصل، نقل أحد المعنيين عن مصدر أمني على صلة بملف السجون قوله: “نحن كقوى أمنية عاملين شحادين لإطعام السجناء لكن هذه قدرتنا… فهل نطعمهم من جيوبنا الفارغة أصلاً؟”.

أما المياه الملوثة في السجن، فحدّث ولا حرج، حيث أشارت المصادر إلى أن “هناك تفشٍ لأمراض “الجرب” و”الإيدز” و”الكورونا”، فضلاً عن إصابة الكثير من السجناء بأمراض أخرى وحالاتهم تسوء أكثر، ما يؤدي إلى حالات وفاة كان آخرها السجين الفلسطيني نعيم عباس وقبله سجين انتحر شنقاً”.

وكشفت المصادر عن عدة اصابات بوباء “الكورونا” بغياب إجراءات وقائية في السجن، علماً أن أغلب دول العالم أفرجت عن السجناء للحؤول دون تفشي “كورونا” في السجون، مضيفة: “عندما ننقل المعاناة إلى المسؤولين في السجون يردون جملة “يعيشون أفضل من ضباط وعناصر القوى الأمنية في العامين الأخيرين”. من هنا سألت المصادر: “كيف يستطيع السجناء سد حاجاتهم من جيوبهم وهم مسجونون؟”.

من جهة أخرى، مصادر أمنية معنية بالملف شددت على أنها تقوم بتأمين الحدّ المقبول من الاحتياجات الطبية وإجراءات الوقاية الصحية من الأوبئة كالكورونا، لكن مع تضاؤل الامكانات يحصل بعض النقص، نافية بالمقابل تعرض السجناء للاعتداء كما يشاع، إذ أكدت أن بعض السجناء جرحوا أنفسهم ولم يدخل أي عنصر أمني الى داخل السجن للاعتداء عليهم، كما شددت على أن “إدارة السجون تتعامل مع السجناء وفق القانون وتقوم بجهود دؤوبة وبشكل يومي لتأمين حقوقهم الأساسية من طعام وماء وتعقيم وأدوية، وهذا يشكل تحدياً أساسياً وكبيراً للقوى الأمنية مع الحرص على احترام السجناء للقوانين وعدم مخالفتها.”

وأوضحت المصادر سبب العنف الذاتي الذي قام به السجناء، قائلة: “يعمد بعض من يعانون الأمراض النفسية والعصبية أو الذين يشعرون بالظلم وتقييد الحرية إلى إيذاء أنفسهم لإيصال رسالة ما، ما يرتب أعباء على القوى الأمنية لجهة الطبابة في ظل ارتفاع كلفة الاستشفاء والأدوية”، لافتة إلى أن “إدارة السجن تدخلت وعملت على احتواء حالة الغضب”، كاشفة عن تواصل مع السجناء لتأمين مطالبهم ضمن القانون، ما أعاد الوضع الى طبيعته.

وأوضحت أن استخدام الهاتف ممنوع إلا ما يسمح به القانون، كما كشفت عن إجراءات عدة اتخذتها القوى الأمنية في السجن للحؤول دون حصول أي عمليات فرار أو انتحار وإيذاء للنفس”، مضيفة: “هدفنا الأساسي تأمين الظروف الإنسانية الطبيعية للسجناء وكامل حقوقهم”، كما لفتت إلى أن “تعاون يجري مع جمعيات خاصة لتدريب وتعليم السجناء للحصول على شهادات بهدف دمجهم في المجتمع بعد خروجهم من السجن، أما الاكتظاظ فهو أحد المشاكل الأساسية التي نعمل على معالجتها”.

في المقابل حذر رئيس جمعية لجان الموقوفين في السجون اللبناني، دمر المقداد عبر “أحوال”، من أن تمادي الظلم سيؤدي الى تفاقم الأوضاع واستمرار حالات التمرد في السجون، ما يضع السجناء بين خيار الفرار أو الانتحار أو حصول إشكالات مع القوى الأمنية، معلنًا أن “الأهالي يعدون لسلسلة تحركات واسعة النطاق في الشارع وباتجاه المسؤولين احتجاجاً على واقع السجناء”.

وفيما تربط مصادر سياسية بين توقيت التمرد وبين اقتراب الانتخابات النيابية للرهان على إقرار قانون “العفو” كمصلحة انتخابية للسياسيين، تنفي أوساط الأهالي ذلك وتؤكد السبب الانساني للتحرك، ويذكّر المقداد بالمطالب التالية لعودة الأمور الى طبيعتها:

– توفير الاحتياجات والخدمات اللازمة لحياة كريمة للسجناء
– تخفيض السنة السجنية إلى ستة أشهر إذا كان هناك خلاف سياسي حول قانون العفو، ما يسمح بإخلاء سبيل 70 في المئة من المساجين، لا سيما وأن الكثير منهم محكومون بجنح كالسرقة وليس جناية.
– تسريع المحاكمات للموقوفين لا سيما وأن بعضهم أمضى ثلاث سنوات في السجن من دون محاكمة، علماً أن المصادر الأمنية تؤكد أن موضوع تسريع المحاكمات وقانون العفو ليس من مهمة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بل مجلس النواب، والمديرية تنفذ ما يقره المجلس، لكن أوساط لجنة الإدارة والعدل النيابية تشدّد لموقعنا على أن “الملف قيد النقاش ويحتاج المزيد من البحث ولم يخرج بعد من المعادلة الطائفية التي تربط ما بين الموقوفين الاسلاميين ومحكومي البقاع وبين العملاء الإسرائيليين”.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى