خمسة أسباب تضعف طروحات القوات في الشّارع المسيحي
في وقت تعتبر القوات اللبنانية أنّها باتت تتقدّم بمسافات شعبية شاسعة عن التيار الوطني الحر، وهو ما يدفعها إلى تبنّي مطلب الانتخابات النيابية المبكرة الذي سبق ورفعه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل ولامته القوات عليه، تدعو أوساط سياسية متابعة، تتواصل باستمرار مع خبراء احصاء، القوات الى عدم المبالغة في التفاؤل، او الإفراط في تقدير القوة الذاتية والحجم السياسي للأسباب التالية:
أولاً، لأن دروس التاريخ القريب لا تزال حاضرة، وأوّلها انتخابات 2005 حين فشل اتهام التيار الوطني الحر بعقد صفقة مع السوريين لعودة العماد ميشال عون من المنفى في خلق موجة شعبية مناهضة له، بل العكس هو ما حصل. وتكرر الفشل عام 2009 حين اتهم التيار بموالاة ايران والسعي الى فرض ولاية الفقيه في لبنان. فإذا كان التيار تخطى بنجاح كبير التجربتين السابقتين، فلن يصعب عليه تجاوز ازمة اقتصادية ومالية حذر منها منذ سنوات، وطالما اتهم خصومه بها، على اعتبار انهم فاسدون.
ثانياً، لأن اي عودة الى اي مظهر من مظاهر الحرب كفيلة بإلحاق الضرر السياسي بالقوات، حتى ولو كان موقفها من باب رد الفعل لا الفعل. وهذا ما فسّر مسارعة قيادة القوات الى اصدار التعاميم اللازمة ونشرها في الاعلام يوم كثرت الاستفزازات في ايلول الماضي وصولاً الى تجمّع انصارها امام المقر العام للتيار في ميرنا الشالوحي.
اما محاولة تشبيه ممارسات التيار بالممارسات النازية، ثم رد رئيسه جبران باسيل بموضوع الصليب المشطوب وغيره، فصب في هذا الإطار، علماً أنّ قيادة القوات تدرك هذا الواقع جيداً وتسعى بشكل دائم الى تلميع صورتها القديمة، وهذا ما يفسر عشرات الدعاوى ضد ناشطين على مواقع التواصل لمجرد ذكرهم اي حدث مؤسف من احداث الحرب وربط اسم القوات او رئيسها به.
ثالثا، لأن القوات فشلت حتى الآن في ضرب صورة التيار كالمدافع الأول والأشرس عن حقوق المسيحيين السياسية الوطنية، فالمجتمع المسيحي لم يبلع محاولة الرئيس سعد الحريري فرض تشكيلة وزارية على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وسعيه الى تسمية الوزراء المسيحيين، والشارع المسيحي استغرب استغلال الحريري منبر الفاتيكان لاطلاق تصريحات مسيئة لرئيس الجمهورية ولرئيس اكبر كتلة نيابية تمثل المسيحيين.
رابعا، لأن القوات لم تنجح حتى اللحظة في ضرب صورة التيار كطليعة المناضلين في موضوع التغيير والاصلاح ومكافحة الفساد، وما الموقف المتقدم جدا لرئيس الجمهورية من موضوع التدقيق الجنائي، كما التحدي الذي رفعه النائب باسيل في موضوع التدقيق في حسابات وزارة الطاقة، وتذكيره الدائم بأنه السياسي الوحيد الذي كشف كل حساباته وأملاكه، والقوانين التي يطالب بإقرارها وتطبيقها، فضلا عن كل ما يرتبط بقضية القاضية غادة عون، الا ادلة على نجاح التيار في استقطاب الاضواء الاصلاحية بشكل دائم على عكس رغبة القوات.
خامساً، لم توفق القوات في اقناع الرأي العام المسيحي بمقولة اسقاط الاكثرية النيابية الحالية لاستبدالها بأخرى، ولسان حال المسيحيين هذه الأيام، وبسخرية في احيان كثيرة، هو السؤال: هل اذا صارت الاكثرية بيد القوات والاشتراكي والمستقبل وأمل سيتحقق الاصلاح؟
فكيف اذا كان حال القوات “مش ماشي” مع الحريري حتى الآن تناغماً مع الموقف السعودي منه، كما ان الاهانات الجنبلاطية المستمرة لجعجع ومنها وصفه “بالقاعد على التلة” لا تساعد كثيراً، فضلاً عن العلاقة المتفجرة حتى مع الكتائب والباردة جدا مع المردة.
في كل الأحوال، واذ تؤكد الأوساط اياها أنّ للقوات بالطبع ردّها وتبريرها لكل ما سبق، واضعين إيّاه في باب التحليل والقراءة السياسية، يشددون على أنّ من حقها اتخاذ ما تراه مناسباً من مواقف مشروعة في العمل السياسي، مع الإشارة إلى عدم إطلاق الاستنتاجات المتسرعة التي سرعان ما قد تقلبها الوقائع رأساً على عقب.