التدقيق الجنائي يوسّع “الهوّة” بين رئاسة الجمهورية وبكركي
لم تتمكن “بعبدا” بعد من “بلع” كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي حول التدقيق الجنائي عندما قال بأن “جدية طرح التدقيق الجنائي هي بشموليته المتوازية لا بانتقائيته المقصودة”، وأنه “لن يكون هناك تدقيق جنائي قبل تأليف حكومة”، إذ ترى مصادر “التيار الوطني الحر” أن الراعي دخل طرفاً فاعلاً في الفريق الراغب بتطيير التدقيق.
دور الراعي على حساب عون
لطالما قيل الكثير عن علاقة البطريرك الراعي بالرئيس عون، فهذه العلاقة مرّت بمطبّات عديدة في الأشهر الأخيرة، ورغم كل محاولات إخفاء الواقع، إلا أن الخلاف بين عون والراعي يبقى أكبر من أن يُخفى، وهو بحسب مصادر مطّلعة، لا يتعلق بموقف الراعي من التدقيق، بل أشمل وأعمّ، ويتعلق بشعور بعبدا بأن البطريرك يحاول سلبها دورها على الصعيد الوطني.
وصل عون إلى رئاسة الجمهورية حاملاً شعار “بيّ الكلّ”، ولكنه سرعان ما تحوّل إلى طرف وخصم لأغلب القوى السياسية في البلد، وبحسب المصادر، لم يكن سهلاً عليه رؤية الراعي يلعب دور الوسيط بينه وبين رئيس الحكومة المكلف، ومشاهدة بكركي تتحوّل مقصداً حتمياً لكل السياسيين العرب والأجانب الذين يقصدونها لبحث رؤيتها لمستقبل لبنان، مشيرة إلى أن صعود دور الراعي كان على حساب دور رئيس الجمهورية، وهذا أصل الخلاف.
فاضت كأس عون بعد كلام الراعي الأخير حول التدقيق، إذ ظهر البطريرك وكأنه يتوجه مباشرة إليه لضرب مفاعيل خطابه الأخير حول التدقيق، وهذا ما تنفيه بشدّة مصادر مقرّبة من الراعي عبر “أحوال”، مشيرة إلى أن الراعي يضع في أولوياته مسألة تشكيل الحكومة لأنها تعني إراحة البلد في مجالات عديدة، من ضمنها مسألة التدقيق، وهو لم ولن يكون خصماً لرئيس الجمهورية.
التيار “ممتعض”
لا توافق مصادر “التيار الوطني الحر” على هذه المقاربة لعلاقة الراعي وعون، ولكنها لا تُخفي انزعاجها من المواقف الأخيرة للبطريرك، خاصة بما يتعلق بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وملف التدقيق الجنائي، دون أن ننسى ملف تشكيل الحكومة، عندما أظهر الراعي انحيازاً إلى جانب الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يسعى للسيطرة على حق اختيار وتسمية الوزراء المسيحيين، مشيرة إلى “لا خلاف شخصيّ بين الراعي وعون، ولكن هناك خلاف حول ملفات سياسية من ضمنها كل ما ذكرناه أعلاه”.
تؤكد المصادر عبر “أحوال” وجود “امتعاض” لدى التيار من مواقف الراعي بشأن التدقيق، مشدّدة على أن “التدقيق” يحتاج إلى دعم البطريركية لا العكس، مشيرة إلى أن التيار والرئيس عون سيمضيان حتى النهاية في هذه المعركة، ولن يساوما عليها، ولن يقبلا بتضييعها وتمييعها، وهو ما يحاول الفريق المعارض للتدقيق القيام به.
يريدون التدقيق على قياسهم
من جهتها تُشير مصادر تيار “المستقبل” إلى أن مشكلة عون هي تصوير كل من لا يوافقه الرأي بأنه “ضد لبنان”، معتبرة أن رئيس الجمهورية يصوّر نفسه وكأنه “الصواب المطلق” بوجه “الخطأ المطلق”، وهذا ما ينسحب على كثير من الملفات السياسية في البلد.
وتضيف مصادر “المستقبل” عبر “أحوال”: “بات واضحاً لدينا أن الوطني الحر يريد التدقيق الجنائي مفصّلاً على قياسه، ويستعمل هذا الملف لأهداف أخرى، على رأسها رغبته بإعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال، لإضعاف موقف رئيس الحكومة المكلف، إذ بالنسبة لرئيس الجمهورية فلم تعد الأولوية لتشكيل حكومة”، مشيرة إلى أن “التيار” ليس في موقع يسمح له بتوزيع الإتهامات على أحد، وإن أراد التدقيق فعليه أن يكون شاملاً كاملاً، بعيداً عن الإستنسابية، وهذا ما وافقت عليه كل الكتل النيابية، وهو ما بدأ يأخذ طريقه نحو التفعيل.