مجزرة طاولت سنديان كوكبا العتيق… راشيا حزينة!
جريمة بيئية موصوفة تعرضت لها أحراج السنديان العتيق في “كوكبا بو عرب”، لم تقتصر آثارها على البلدة فحسب، ذلك أن من يرى الأشجار المعتدى عليها يدرك تماما أن كل منطقة راشيا حزينة، فهذه الأحراج تشكل امتدادا لطبيعة هذه المنطقة الساحرة، أما الأشجار فبدت أكثر حزنا، ولا من يدرك أن ثمة أغصانا منها “ذرفت دمعا” من نسغ (ماء) جذورها، وهذه الأشجار الدهرية أكثر من دنا منها إبداعا الشاعر الراحل سميح القاسم في أصغر قصيدة كتبها في حياته بعنوان “أبدية” اقتصرت على كلمات عدة:
“تتبدل الأوراق من آن لآن
لكنَّ جذع السنديان”.
فمن يحمي الغطاء الأخضر الباقي في لبنان؟ ومن يصادر هواءنا ويحيلنا إلى الفساد والجريمة حد الإختناق؟ أين الدولة؟ الوزارات؟ البلديات؟ أين مأمورو الأحراج؟ أين الجمعيات البيئية؟ أين وأين …؟
أسئلة تتكرر كل عام، مع كل مجزرة أشجار، خصوصا وأن من زرعها لم ير أغصانها، لم يرها مورفة باسقة، إذ ليس ثمة من يزرع السنديان يطول به العمر ليراها أشجارا، فهو زرع لأجيال لم تولد بعد، تماما كما والدة الأديب اللبناني الرائع الراحل سعيد تقي الدين يوم قدم الإهداء لها في كتابه “ربيع الخريف”، قائلا: “إلى التي أحيت في بلدتي (بعقلين) أرضا بوارا، فزرعته سنديانا لن ترى هي ولن أرى أنا أغصانه… إلى أمي هذه الصحائف”.
سيف الدين: جريمة
في سياق متابعة هذا الأمر، أشار رئيس “جمعية اللقاء البيئي” في قضاء راشيا وليد سيف الدين لـ “أحوال” إلى أنه تبلغ اليوم “من أحد أعضاء بلدية (كوكبا بو عرب) في قضاء راشيا عن جريمة طاولت الأحراج في خراج البلدة”، لافتا إلى أن “عمليات القطع العشوائية استخدمت فيها مناشير آلية قطعت فروع أشجار معمرة من 50 إلى 200 سنة، علما أنها محمية من البلدية والأهالي ومأمورية الأحراج”.
وقام سيف الدين برصد وتوثيق الأشجار مقطوعة والمتضررة، وقال: “أرسلتها توا إلى موقعكم، وعلى الفور اتصلت بالمدعي العام البيئي في البقاع القاضي نادر بردان، وطلب مني تقديم شكوى مباشرة في المخفر وأنه سيتابعها، حتى أنني عندما وصلت إلى مخفر كفر مشكي، كانوا في انتظاري لأتقدم بالشكوى، حيث أن القاضي قام بإبلاغهم، وتقدمنا بإخبار وقد استمع عناصر المخفر لإفادتي وتم تحرير محضر بالأمر، وسيتم استدعاء رئيس بلدية كوكبا بو عرب وأخذ أقواله، فضلا عن الكشف الميداني على موقع الجريمة التي تم ارتكابها بقطع هذه الأشجار”.
وأشار سيف الدين إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها هذه الجريمة وتطاول نفس المنطقة، وتقدمنا بعدة شكاوى، ولكنها المرة الأولى التي نشعر أن ثمة جدية في التعاطي، وقد يستغل البعض أن الدولة مشغولة بالأزمات التي تمر بها، كما أن البعض يقوم بقطع الأشجار لبيع حطبها تحضيرا للشتاء كونهم لا يستطيعون شراء المازوت، إلا أن هذا لا يبرر مثل هذه الجريمة، فوضع الدولة أمر أما مسؤولية المواطن فأمر آخر، ومن الضروري أن يكون هناك وعي أعلى لدى الناس”.
جبل الفاقعة
وتابع سيف الدين: “وقد تزامن هذا الأمر مع جريمة أخرى في جبل الفاقعة منطقة شميس القصر، بقضاء راشيا، وتحديدا في خراج راشيا الوادي، حيث تم قطع أشجار معمرة وبذات الطريقة، وبكمية أكبر وعدد أشجار أكثر، مع العلم أن بلدية راشيا كانت تضبط الأمور أكثر، إلا أنه للأسف، وفي هذه الفترة، ثمة مشكلة في البلدية لجهة عدد العناصر والعمال، حيث توجهت مجموعة من الأفراد من البلدية، باستلام منطقة في بيروت، لإزالة الركام وتنظيف الشوارع، وكانت البلدية تتابع من خلال نواطير الأحراج، ولكن بسبب الضائقة المالية، لا تتمكن البلديات من تسديد بدلات الأتعاب للنواطير، لذا كنا نتابع من خلال العمل التطوعي عبر القيام بدوريات في المنطقة، ولا سيما في الجبال والوديان والطرقات المؤدية إلى الأحراج، إلا أننا لم نتمكن من رصد أي شيء، لأن هذا الأمر يحتاج لحضور ومتابعة وكثافة في الزيارات”.
ولفت سيف الدين إلى أنه “تم تخصيص قطعة أرض صغيرة، لجمعية اللقاء البيئي بهدف إنشاء مشتل زراعي، وستكون بمثابة محطة ومرصد للمخالفات كونها مطلة على مساحة كبيرة من الأحراج، وليس هدفنا أن نتسبب بالضرر لأحد، بل هدفنا حماية هذه الأشجار وأن نزرع الكثير منها ونواكبها يوما بيوم، لنشاهدها بعد سنوات وقد كبرت قليلا”.
وختم سيف الدين بدعوة الناس إلى التجاوب أكثر مع تعليمات وإرشادات البلدية والجمعيات الأهلية، والحرص على حماية المساحات الخضراء، وإذا لم تكن قادرة على الحماية، على الأقل ألا تتسبب بالضرر والأذى، وخصوصا في حال النزهات في البرية، وذلك بعدم إلقاء النفايات أو التسبب بحرائق بقصد أو غير قصد”.
مغامس: التعدي ليس بجديد
من جهته، أشار الرئيس السابق لبلدية كوكبا بو عرب أمين مغامس إلى أن “هذا التعدي ليس بجديد فحسب”، لافتا إلى أنه “طاول المنطقة ذاتها ونعتقد أنهم الأشخاص أنفسهم من ارتكب هذه المجزرة وهم لا يتعدون الـ 4 أو 5 أشخاص، وهم من أهالي المنطقة ويأبى الأهالي من الإدعاء عليهم لاعتبارات معروفة في القرى والبلدات”.
ورأى مغامس أن “المجزرة مضاعفة كون المنطقة مصنفة أثرية، وأشجارها معمرة فوق 100 سنة، وأثناء وجودي في البلدية، تعاونا مع محمية أرز الشوف للسماح بالرعي عبر تشحيل “تقليم” الأشجار من الأسفل وتعليتها، بالإضافة لمشاريع غرس أشجار وصل عددها إلى 72 ألف شجرة”.
ويعتقد مغامس أن “قطع الأشجار هو بهدف إطعام الماشية فضلا عن الإستفادة من الحطب”، وقال: “لقد أمر المدعي العام البيئي وفقا لما وصلني بوضع لافتة لمنع المواطنين من التنزه وحظر الرعي في هذه الأحراج ابتداء من يوم الإثنين المقبل”.
أنور عقل ضو