رياضة

هوبيك لـ “أحوال”: كرة القدم في لبنان تقدّمت ماديًا وتراجعت فنيًا

يُعتبر هوسيب موسكوفيان، المعروف بـ “هوبيك”، أحد أبرز اللاعبين الذين مرّوا في تاريخ فريق “الراسينغ” العريق، إذ برز في مركز صانع الألعاب ولعب لقميص “القلعة البيضاء” بتفانٍ لمدة 14 عامًا، كما عرف معه طعم الإنتصارات ورفع الكؤوس في معظم الفترات.

يروي هوبيك، المولود عام 1955، لـ “أحوال” بدايته مع كرة القدم، فيقول: “الانطلاقة كانت مع فريق “أنترانيك”، واللافت في مسيرتي هو أنني لعبتُ لفريق الرجال وكان لي من العمر 13 عامًا، ويومها أعطاني المدرب “فانيلة” تحمل الرقم 7، وأذكر تمامًا كيف كادت تغطي كامل جسمي لأنها كانت أكبر من مقاسي، حتى أن الرقم لم يظهر بالكامل لأنني أخفيها تحت السروال”، مضيفًا: “وفي عام 1978، رصدني مدرب الراسينغ الكبير “جوزيف أبو مراد” وطلب مني التوقيع على كشوف “القلعة البيضاء”، حتى بلغ الأمر به في أحد الأيام أن يجلس على باب البناء الذي أقطنه، ليتلقفني قبل خروجي بقصد السفر والسياحة، كما اقتادني إلى مقر الاتحاد لأوقّع العقد”.

ومن لا يعرف “الراسينغ” جيدًا، فقد كان سفيرًا كرويًا “فوق العادة” للبنان في الرحلات الخارجية، كما كان لـ “هوبيك” النصيب الأوفر من المشاركة في تلك الجولات، إلى جانب المشاركات المحلية المقتصرة في مجملها على دوري “المنطقة الشرقية”.

القائد يتقدم بباقة ورود قبل لقاء الراسينغ والهومنتمن

وفي هذا الصدد، يوضح “هوبيك” لموقعنا أن فريقه كان مكتمل الصفوف ولا يحسب حسابًا لأي فريق آخر، نظرًا للثقة العالية بالنفس وبالنتائج الملفتة، إذ قلّما عرف طعم الخسارة، فكانت خزائن النادي تملىء بالكؤوس سنويًا، من لقب الدوري أو كأس الإستقلال أو لقب “جوزيف نالبنديان” وغيرها، وبالطبع كانت لمباراة “الديربي” بين “الحكمة” و”الراسينغ” طعم خاص وحساسية “جماهيرية حزبية”، كما يصفها، إذ تتّسم بالتشنج على المدرجات، إلا أن لاعبي الفريقين كانوا عائلة واحدة.

وإلى جانب ذلك، كان “الراسينغ” يستقبل الفرق الأجنبية في برج حمود أو يطير إلى خارج حدود لبنان. ومن الذكريات الراسخة في ذهن “هوبيك”، هدف الفوز الوحيد الذي سجّله في مرمى “فارول الروماني” عام 1980، في الدقيقة الأخيرة، بعدما تخطى 4 لاعبين بمفرده، لافتًا في حديثه لموقعنا إلى أنه عقب اللقاء تحدّاه الحارس الضيف بأنه لن يسمح له بهزّ شباكه في رومانيا، ولكن “هوبيك” لم يخسر الرهان وعاد ليدكّ شباك الحارس في عقر داره، على الرغم من الخسارة 2-4؛ كما يعتز باللقاء أمام بطل الصين في ملعب برج حمود، ويومها إنتهى بالتعادل 3-3.

“شرقية – غربية”

ولعل من أبرز محطات الحرب الأهلية كانت زيارة “الراسينغ” إلى بيروت “الغربية”، ويومها تعادل مع “الصفاء” وهزم “النجمة” بثلاثية نظيفة؛ ولم يخفِ موسكوفيان يومها مشاعر الخوف والهلع حين تخطى الفريق المعابر الفاصلة بين شطري العاصمة، أو ما كان يُعرف بـ “خطوط التماس”.

أثناء زيارة إلى رومانيا وسط حضور جماهيري كبير

وبقي هوبيك في الملاعب حتى عام 1992؛ وقبلها بسنتين، إنتقل إلى قبرص ولعب لفترة قصيرة مع نادي “آيما”، ولكنه عاد لينهي مشواره مع الفريق الأبيض.

وخلال سنين الحرب، وتحديدًا عام 1985، عرض عليه أحد وكلاء اللاعبين أن يصحبه إلى فرنسا واليونان ليجرّب حظه مع بعض الأندية، بعدما أيقن هذا الوكيل أن “هوبيك” من اللاعبين الماهرين والموهوبين الذين بمقدورهم قطف فرصة الإحتراف بسهولة، لكن هوبيك تراجع عن الفكرة بسبب ظروف عائلية.

“طرائف خارجية”

وخلال رحلاته الخارجية مع “الراسينغ”، كانت هناك أحداثًا طريفة متعددة لا تغيب عن ذهنه، يذكر منها ما حدث في رومانيا عندما كان لاعبو الفريق اللبناني يتناولون العشاء في الفندق، وإذ ببعض الزبائن المحليين يتشاجرون فيما بينهم بسبب إفراطهم بتناول الكحول، فكادت أن تحصل معركة بالأيدي، لذا ما كان من حارس المرمى “بسام همدر”، الذي يتقن الرومانية، إلا أن بدأ ينشد النشيد الوطني الروماني بصوت عالٍ، وعندها وقف الجميع إحترامًا، فتوقفت المشاجرة وسط ضحكات خفية من لاعبي “الراسينغ”.

إلى ذلك، يذكر هوبيك أيضًا طرفة ثانية حصلت أثناء جولة أفريقية، حيث كان جميع أعضاء الفريق يستعدون للعودة إلى بيروت، ولكن أفراد الجالية اللبنانية أصروا يومها على إقامة حفل ساهر لأفراد البعثة، فما كان من هوبيك الذي حزم أمتعته إلا أن دخل خلسة إلى غرفة زميله “سعيد عزير” الذي يقاربه من حيث الطول والوزن، وارتدى ملابسه، وعندها أخذ عزير يحدثه طوال الوقت ويقول له “عندي قميص مثل القميص الذي تلبسه، وحذاء يشبه حذاءك”، وفي نهاية السهرة، دخل هوبيك إلى غرفة عزير وقال له: “إليك قميصك وحذاءك وبنطلونك”.

يتسلم كأس الاستقلال من إدمون عساف

جاهز لخدمة “الراسينغ”

أما عن الفارق بين الأمس واليوم، فيعتبر هوبيك أن كرة القدم تقدمت ماديًا ولكنها تراجعت فنيًا، موضحًا أنه في الماضي كان كل فريق يعجّ بالنجوم الموهوبين وكان المستوى متقاربًا فيما بينهم، أما اليوم فأصبح ولاء اللاعب للبدل المالي الأعلى أينما وجد، “لذا نشهد تذبذبًا في المستوى لعدم إستقرار الفريق على تشكيلة ثابتة لوقت طويل، كما أصبح اللاعب يتنقل من نادٍ إلى آخر بسرعة قياسية بحثًا عن المال”، بحسب قوله.

وعن وضع الراسينغ “درجة ثانية” حاليًا، يؤكد هوبيك لـ “أحوال” أن الفريق العريق قادر على العودة إلى مصاف نوادي الدرجة الأولى متى وجدت الإرادة والإدارة السليمة التي تعمل بطريقة علمية بناء على استراتيجية صلبة، إذ لا بد من الإستعانة بنجوم الماضي الذين ضحوا وخدموا النادي، كونهم كالجذور التي بمقدورها أن تفرخ أجيالًا للمستقبل.

وعما إذا كان لديه النية لمواكبة الفريق عمليًا، يقول هوبيك: “خدمت النادي لاعبًا ومدربًا، وكنت المشرف العام لكل الفئات العمرية حتى عام 2017، بعدها فضلت الانكفاء؛ لكن إذا ما طلبت مني الإدارة الجديدة، تحت إشراف الرئيسة “باولا ميشال فرعون” العودة، فلن أبخل بتلبية النداء، شرط أن يكون كل شيء واضح المعالم وفق القانون والأصول”.

كما يبدو اليوم في محل النظارات الذي يمتلكه في شارع أراكس

الجدير ذكره ختامًا أن “هوبيك” عمل أيضًا مساعدًا للمدرب الفرنسي “ريشار تاردي” ومواطنه “جان مارك نوبيلو” في منتخبات الشباب والناشئين والأشبال اللبنانية ما بين عام 2000 و2010 بدون أي مقابل، حسب ما أكد لموقعنا، ولم تكن النتائج المحققة يومها سيئة في ظل الامكانيات المتاحة.

سامر الحلبي

سامر الحلبي

صحافي لبناني يختص بالشأن الرياضي. عمل في العديد من الصحف والقنوات اللبنانية والعربية وفي موقع "الجزيرة الرياضية" في قطر، ومسؤولاً للقسم الرياضي في جريدتي "الصوت" و"الصباح" الكويتيتين، ومراسلاً لمجلة "دون بالون" الإسبانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى