مجتمع

مطاعم لبنان: منها ما أقفل ومنها ما ينتظر والأسعار بدّلت تبديلا

جولة لـ"أحوال" في انطلياس جونية والحمرا: إقبال خجول وأسعار أقرب إلى "الفجور"

بعد أسبوع من فتح المطاعم والمقاهي في لبنان، كان لا بدّ من جولة على بعض المناطق اللّبنانية المعروفة بريادتها في هذا النوع من السياحة التي تشمل مختلف أيام السنة.

البداية كانت في جونيه، التي يُقفل ما تبقّى من مطاعمها ومقاهيها عند الساعة الثالثة بعد الظهر، نظرًا لقلّة الزبائن. وأوضح إريك عشقوتي، صاحب مطعم أمازون، أنه “قبل الظهر يمرّ عدد قليل من الزبائن ويطلبون مناقيش زعتر أو جبنة على الصاج… وعَم نمَشّي حالنا بالتي هي أحسَن لعلّها تَنفرِج من شي مَطرح”.

 

 

جونيه: العدد الأكبر من المطاعم أقفل وصَرف موظّفيه

وفي Café toni كان هناك 5 زبائن يجلسون على “سطيحة” المطعم لأنّ الطقس كان جميلا. طوني مكاري مواطن لبناني من زغرتا لكنه مغترب منذ سنوات في ألمانيا، قال إنه “يقوم بجولات سياحية في لبنان مع زوجته وابنته الصغيرة”، ورأى “انّ جونيه فيها حياة أكثر من بقية المناطق اللّبنانية التي زارها”. أمّا رنا سليمان التي كانت تشرب “كوكتيل” مع صديقتها، فقالت “إنّ الحركة خجولة هنا لكنها تفضّل أن تأتي إلى هذا المقهى لأنّ المَدى مفتوح، وهي تريد أن “تتنفّس” مع رفيقتها بعد أن طالت مدّة الحجر”. وفي الثامنة مساء لم يكن في هذا المطعم سوى 4 زبائن على رغم أنّ هذا المكان مشهور، وقبل الحجر كان الزبائن يرتادونه من مختلف مناطق كسروان وجبيل، إلّا أنّ ندرتهم حاليًا دفعت بصاحبه لويس زيناتي إلى أن “يستغني عن كل موظفيه”، وعَزا قلّة الزبائن إلى “الغلاء المستفحل، فأسعار المواد التي نشتريها ارتفعت كثيرًا عن السابق، والمطعم يخسر يوميًا مع أننا رفعنا أسعار القهوة والكوكتيل 30 في المئة عمّا كانت عليه سابقًا”.

وغير بعيد من هذا المكان، يتربّع مقهى MAROUJI COCHKTAIL، الذي يقدّم جميع أنواع القهوة والعصائر ومختلف أنواع الأكل، لكن لا يوجد فيه أحد مع أنّ الساعة أصبحت الثامنة والنصف مساء.

أمّا مطعمTonic  فقد صرّح مديره ميشال شربل بأنّ “الحركة فيه خفيفة، وكما ترى لقد أصبحت الساعة الثامنة والنصف مساء وليس هناك إلّا 3 زبائن… لذلك، عَم نمَشّي حالنا “كِرمال نْكَيّت” أو نخسر شوي، لكن الربح صعب نظرًا لارتفاع الدولار يومًا بعد يوم… حاليًا “عم مَشّي الستوك القديم” من المشروبات الروحية. وعندما أطلب مواد من التاجر، ينصحني بأن أتريّث قليلًا لأنّه يفكّر أن يبيع بضاعته “عالغالي لا عالرخيص”… لذلك نشتغل بالأصناف التي ما زالت موجودة عندنا…”.

وعلى بُعد 100 متر من ساحة جونيه، يُطالعك COFFEE CORNER الذي تحوّل إلى مطعم ومقهى بعد ثورة 17 تشرين الأول، بعدما كان PUB مدة عشر سنوات.  وخلال فترة الظهيرة وُجِد فيه شخص واحد يدعى إيليو شليطا، الذي قال: “لن أُحبَط مهما قسَت الأوضاع، فأنا أشتغل أكثر من غيري لأنني صاحب مكتب سفريات، وأربح من المغتربين الذين يدفعون دولارات “كاش”… وأشكر الله أننا ما زلنا ندفع سندات المصارف والانترنت واشتراك الموتور على سعر دولار يعادل 1500 ليرة، ولو كان غير ذلك “كانت اختَربِت الدني”… هذا الاندفاع والأمل بالحياة لدى هذا الشاب قابَلهما يأس عند جواد غانم، صاحب المطعم، الذي أوضح أنّ “عدد الزبائن قليل، لأنّ الأسعار ارتفعت عمّا كانت عليه. وفي كل يوم تزيد أسعار البندورة والخيار والملفوف والموز أكثر، فكيف ستبيع الزبائن كل يوم بسِعر؟! لقد حوّلتُ هذا المكان إلى مطعم لكي “أسترزِق”، ولكن من أين؟!! لا أحد يمشي في هذا الشارع مع أنّه يزخر بمحلات الألبسة والخضار…”.

ونظرًا لتردّي الأوضاع الاقتصادية وسياسة الإقفال المتكرّرة بسبب كورونا، فإنّ العدد الأكبر من مطاعم جونيه قد أقفل وصَرف موظّفيه…

 

انطلياس: الزحمة في المطاعم وفقًا لأسعارها

ولم تكن حال مطاعم أنطلياس أفضل من مطاعم جونيه ومقاهيها، ففي شارع المطاعم المشهور، تُطالعك “قهوة الست” التي تحتلّ حيزًا كبيرًا من المساحة، لكن للأسف لم يكن فيها إلّا مديرها راني تبشراني وبعض الموظفين وقد أوضح تبشراني أنّ “غلاء الأسعار ينعكس علينا وعلى الزبائن الذين يتصلون بنا هاتفيًا ليسألوا عن ثمن الأكل والمشروبات”.

وفي مطعم كيف، كان يوجد 4 زبائن فقط، منهم سمر عازار التي أوضحت أنّ “الناس بعدها خايفة من كورونا، لذلك هي تأتي بخجل إلى المطاعم، مع أنّ نوعية الأكل هنا جيدة. ولقد أتيتُ مع صديقتي كي نتنفّس قليلًا”… أمّا ماري تريز سبعلي، الآتية من بكفيّا، فقد صرّحت بأنها “بعد وجبة الغداء تشرب أركيلة معسّل تفّاح كي “تُسَرغِس” قليلًا وتنسى جَو البلد المَحقون…”. وإنّ قلّة الزبائن في هذا المطعم المشهور دفعَت بـ توفيق أبو خليل، مدير شؤون الموظفين، إلى أن يغتاظ ويقول: “إنّ غلاء الأسعار يوميًا سوف يخرب هذه المصلحة، لقد سَعّرو اليوم قنينة الويسكي بـ 225000 ألف ليرة، فبكم سنبيعها إلى الزبون؟ وإذا حَطّيت كَبسِة ويسكي بالكاس، فإنّ سعره سيكون 30000 ليرة… وهذا يعني أنّ الطبقة الغنية سوف تدخل مطعمنا فقط. وإنّ التشددّ من قبل الشرطة السياحية يؤدي إلى خسارة أكبر، فما الفرق بين أن تقفل الساعة 9 مساء أو الساعة 10؟ هل ينام فيروس كورونا الساعة 9 مساء؟ “خَلّونا نتنفّس” فهذه الساعة من الوقت تجلب لنا زبائن أكثر”…

وعلى عكس بقية المطاعم في أنطلياس، كان مطعم موراي يستقبل أكثر من 20 شخصًا يتناولون الغداء على السطيحة، وكانت رائحة الأراكيل تطغى على روائح المأكولات اللذيذة. ولقد صرّح إدي مراد، أحد الزبائن، الآتي من بيروت، والذي كان يتناول الطعام مع شلّة من أصحابه: “على رغم الاقفال المتكرّر، فإنّ الجلسة في هذا المطعم ما زالت هنيئة، وإنّ الأكل لذيذ جدًا، حتى أنّ الموظفين “كتير أوادِم وحَبّوبين”… أمّا إيلي حاج، مدير المطعم، فقال إنّه يعجّ بالزبائن لأنّنا دائمًا نعمل على ربح قليل فنخفض الأسعار لأنّ الناس لم تعد بمقدورها أن تصرف أموالا كما كانت في السابق… ومنذ بداية ارتفاع الدولار لم نرفع أسعارنا أكثر من 35 %… ونحن نعوّل على الاستفادة من السائح الذي يحجز في لبنان لمدة أسبوع أو أسبوعين، على رغم انّ المطاعم ستقفل 3 أيام في الأعياد”.

الساعة الرابعة بعد الظهر لم يكن في مطعم 964 سوى مديره عماد برباري، وعند الثامنة مساء كان هناك عدة زبائن يتوزّعون في الداخل، وأكثر من 8 زبائن على السطيحة. ولقد صرّح برباري أنّ “80 % من زبائننا يأتون في الليل… وهذا المطعم يعتمد على العراقيين المعروفين بكرمهم والذين يحجزون طاولات كبيرة، وإذا قلنا لهم سوف نقفل الساعة 9 مساء إلتزامًا بتعليمات الدولة فهم لن يحجزوا لأنّهم يحبّون السهر إلى ما بعد الساعة الواحدة ليلًا… فكيف يمكننا الاستمرار هكذا؟ “.

مطاعم الحمرا: بين السيئ و”الماشي الحال”

أمّا في شارع الحمرا الرئيسي، فإنّ 70 % من المطاعم أقفلت منذ موجة الاقفال الأخيرة بسبب كورونا، ولم تفتح في المرحلة الرابعة، مثل CAFÉ DE PARIS الذي كان يرتاده الكثير من الشعراء والممثلين والفنانين… ولقد صرّح مدير مطعم ROSSA أنّ “الاقبال خفيف لأنّ اللبنانيين حَصروا همومهم في تأمين طعامهم… والمطعم يعتمد حاليًا على السوّاح العراقيين، وبعض الزبائن الدائمين…”. ثم قال بحسرة: “من المفروض أن “تعجُق” نهار السبت، لكن للأسف لا يوجد إلا 5 زبائن”.

وفي الفرع الثاني لهذا المطعم كان هناك 3 زبائن في الخارج، ولم يكن أحد في الداخل سوى مديره أمير عربيد، الذي أكّد أنه “يعتمد على السوّاح العراقيين والقطريين والسوريين الذين يعشقون الـ PLAT DE JOUR الذي يقدّمونه في هذا المطعم، مثل الملوخيّة والكبّة قرنبيّة”… وتوقّع أن “يزداد عدد الزبائن لأنّ الأسعار لم ترتفع كثيرًا”.

ووسط الكثير من المطاعم المقفلة، نلاحظ أنّ ستارباكس كافه ما زال يستقبل القليل من الزبائن على رغم شهرته وإقبال الأجانب عليه سابقًا، بِعَكس ترغَلّي الذي كان يستقبل العديد منهم بعد الظهر. ولقد استغرب صاحبه زياد مشيك “كيف يصدر القرار بإقفال المطاعم عند التاسعة ليلًا؟ لأنّ الناس يأتون بكثافة بعد الثامنة مساء”. وأكّد “أننا رفعنا الأسعار بنسبة 15 % كي نحافظ على زبائننا، فالإكسبرسو أصبح ثمنه 5000 ليرة فقط، في حين أنّه يُباع في غير مطاعم بثمن 10000 أو 12000 ليرة… ولقد اضطررت أن أرفع رواتب الموظفين كي يظلّ المطعم “ماشي”.

في آخر شارع الحمرا، كان مطعم برجيس يستقبل الزبائن العراقيين والقطريين والأجانب، لم يوافق أحد منهم على التصريح بشيء، لكنّ مدير المطعم الصحافي بول أبو حيدر قال: “إنّ قرارات الدولة بالنسبة للمطاعم هي فاشلة، والناس لم يعد لديها ثقة بها نظرًا لترددها في التطبيق، فمرّة يأخذون قرارًا بفتح المطاعم حتى الساعة 6 مساء، ثم يعدّلونه ليصبح حتى الساعة 9 مساء، علمًا أنّ هناك “استِلشاقًا” في التطبيق، فهناك مطاعم تفتح لغاية الساعة 12 ليلا… وهناك دوريّات للشرطة السياحية تشدّد على التزام أقصى درجات الحيطة، مع أنّ “البلد كِلّو فتح” إلّا السياحة، علمًا أنّ لبنان بلد سياحي، فهل تريد الدولة أن تقتل السياحة فيه؟”.

 

الجمّيزة: مدينة أشباح بعد الظهر

وإذا كانت حال مطاعم الحمرا تتأرجَح بين السيئ و”الماشي الحال”، فإنّ  الجمّيزة تصبح مدينة أشباح عند الساعة الثالثة بعد الظهر لأنّها ما زالت متأثّرة بالدمار الذي خلّفه انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، وهي لم تلملم جراحها بعد، ولم يعد سوى 20% من سكانها. أمّا مطاعمها القليلة، والتي تفتح بخجَل، فهي تعتمد على ما تبقّى من  أجانب…

وسط الضربات المتكرّرة التي أصابت هذا القطاع السياحي في الصميم جرّاء الإقفالات المتكرّرة خوفًا من تفشّي كورونا، تتحسّر على المطاعم التي أقفلت، وتتمنى ألّا تقفل أخرى، لأنّ مئات العائلات اللّبنانية تعتاش من هذا المورد.

 

طوني طراد

كاتب وصحافي لبناني. حائز على ماجستير في اللغة العربية من الجامعة اللبنانية. صدر له عدة دراسات سياسية وأدبية ابرزها كتاب "صورة المرأة في شعر ميشال طراد".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى