منوعات

تأليف حكومي على أنقاض “التكنوقراط” 

عندما كشف الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري عن ورقته التي ضمّت أسماء التشكيلة المقترحة للحكومة العتيدة، كان يُعلن عملياً عن طيّ تلك الصفحة إلى غير رجعة. هناك من قال إن الحريري نفسه كان يدرك أنّ تلك اللّائحة هي للتفاوض، وليس لاعتمادها تشكيلة حكومية، لا أوّلية ولا نهائية. وبما أنّ التفاوض التقليدي الذي كان قائماً منذ أشهر، بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون بشأن التأليف الحكومي وصل إلى طريق مسدود، أعلن الحريري عن مضمون مسوّدته، فأنهى صلاحيتها.

وعندما كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يقول في آخر إطلالة له الأسبوع الماضي إن الالتزام قائم بحكومة تكنوقراط تولد أول الأسبوع الجاري، لكن برأيه أنّ المطلوب هو حكومة تكنوسياسية. وبما أنّ حكومة التكنوقراط لم تولد كما كان مقرّراً الإثنين في مطلع الأسبوع الجاري، فهل صار طرح حكومة تكنوسياسية هو البديل الذي يشكّل مخرجاً للأزمة القائمة؟

أوردت معلومات أن كلّ الأجواء التي رشحت عن اجتماعات السياسيين مع سفراء العواصم المعنيّة في لبنان، تفيد بأنّ التشديد الدّولي أصبح فقط على وجوب ولادة حكومة لبنانية سريعًا، وبأيّ شكل من الأشكال، من دون الإشارة الدولية لا إلى شكل، ولا إلى طبيعة التشكيلة. لا بل إنّ هناك من ردّد “أن الفيتو الخارجي الذي كان مفروضاً على تأليف حكومة سياسية، لم يعد موجوداً”، لأنّ المخاوف الدولية من إنهيار لبناني شامل محتمل تزداد مؤخرًا، ما يطيح بالاستقرار النسبي الموجود في الساحة اللّبنانية، ويرفع من مستوى الفوضى الإقليمية، في وقت تجهد فيه روسيا لطرح مبادرات تسووية في المنطقة، لإجهاض أيّ عبث مُمكن أو حروب محتملة.

وتضيف المعلومات بأنّ السفراء استطلعوا حقيقة ما تتضمنه الاتهامات السياسية على خط بعبدا-بيت الوسط بشأن نسف صيغة الطائف للذهاب إلى فرض دستور جديد، مستندين إلى كلام تيار “المستقبل” عن محاولة رئيس الجمهورية تهميش دور رئاسة الحكومة الذي رسّخه اتفاق الطائف في الدستور اللّبناني. لا تريد العواصم الدولية بعثرة الصيغة اللّبنانية حالياً في زمن ترميم النُظم في الإقليم.

ومن هنا، فإنّ طرح أفكار تسووية جديدة سيكون على حساب فكرة حكومة تكنوقراط. كيف؟ متى؟ لا معلومات واضحة بشأن ما ستحمله الأيّام، لكن حراك السفراء على خطوط القوى السياسية اللّبنانية، وما تسرّب عن الاجتماعات بشأن عدم الإصرار على فكرة التكنوقراط، قد يساهم في تقريب المسافات بين بعبدا وبيت الوسط مجدّداً، على قاعدة البحث عن مخرج تسووي يحمل أفكاراً جديدة، لأنّ الأفكار الماضية شاخت، فانتهت صلاحية ورقتين: الأولى طرحها الرئيس ميشال عون لملء الفراغ بالإسم المُناسب، والثانية طرحها الرئيس سعد الحريري وتتضمن أسماء تكنوقراط.

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى