تشكيل الحكومة: افتعال جوّ إيجابي سيتبخر… إذا مش الخميس التنين!
المشهد المتزاحم بمواقف حادة وصدامات خطابية، ولقاء “لجم الاصطدام” في بعبدا كل هذا لا يؤشر إلى أنّ حكومة المهمة العظيمة ستبصر النور قريبًا.
وكلّ الأسباب التي حالت دون تشكيل الحكومة منذ أشهر حتى اليوم، لا تزال قائمة على قدم وساق، رغم لقاء بعبدا الذي أحيي بعد شهر وأسبوع من الموت السريري تخلّله رحلات خارجية غير مثمرة للرئيس المكلّف.
رئيس الجمهورية ميشال عون متمسك بموقفه وصلاحياته ورؤيته لصورة الحكومة المقبلة والرئيس المكلّف سعد الحريري متأبطًا ورقة التشكيلة التي وضعها مؤمنًا بكفاءتها وقدرتها على تقديم الحلول المعجزة للمأزق الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
تمنّع رئيس الجمهورية عن أخذ مسودة الحريري بين يديه، ولم يقبل مناقشة حصته في الوزارة الجديدة لا العدد ولا الطائفة ولا الحقائب ولا الثلث المعطّل. طلب تشكيلة متكاملة جديّة ليبحث فيها فيوافق عليها أم يرفضها.
لم يستسغ الرئيس مضمون الزيارة وإن رحّب فيها بالشكل، وطلب من الرئيس المكلّف أن يأتيه الإثنين، الموعد الثامن عشر، بتوليفة متكاملة تتضمن جميع أسماء الوزراء المقترحين، السنّة والشيعة والمسيحيين والدروز. لا يريد الرئيس مناقشة حصّته المسيحية، كما يفعل رئيس الحكومة المكلّف، هو رئيس كل لبنان ومن حقّه إبداء رأيه في الحكومة كاملة. وعلى هذا الرأي اختتم لقاء الخمسين دقيقة.
الرئيس المكلّف يصرّ على ورقته القديمة التي وضعها منذ شهرين ويعتبرها “السحر” الذي سيخلّص لبنان. لم يستوعب ما أدلى به عون ولا يزال متمسّكًا بما عمل عليه، الاختصاص. وبناء على ذلك سيزور مجددًا الحريري بعبدا الاثنين المقبل، بعدما “استمعت إلى ملاحظات رئيس الجمهورية وللخروج بنتيجة واضحة حول الحكومة. وسيحمل اللّقاء أجوبة أساسية حول كيفية وصولنا إلى تشكيلة حكومية في أسرع وقت ممكن”.
أجواء الإثنين: صفر حكومة
اختتم اللّقاء على إنجاز شكلي هو حصول اللّقاء، واصطناع جو إيجابي لم يعمّر طويلًا بحسب أجواء الطرفين. ويمهد كذلك لأجواء يوم الاثنين “صفر حكومة”.
ولكن بحسب مصادر مطلعة، التصلّب بين الطرفين قد يلين ببحث كل طرف في تدوير الزوايا تحضيرًا للقاء الثاني بينهما الاثنين المقبل. وتجاوز الأجواء الإيجابية والمرونة بالشكل إلى المضمون وإيجاد حلول. لكن الأمر ليس بهذه السهولة وهناك عدّة صعوبات.
طرح الحريري لم يتبدّل بل على العكس، فهو ما زال متمسكًا بحكومة من 18 وزيرًا وذلك لمنع حصول أي فريق على الثلث المعطل، لذا يرفض صيغة الحكومة من 20 وزيرًا، وكذلك يريد أن يكون الوزراء غير حزبيين.
رغم أن إشارات فرنسية ظهرت مرارًا أن الفرنسيين لا يمانعون بتوسيع الحكومة ويمكن قبول الحريري بهذا التوسيع إذا ضمن عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل.
والعقدة الأساسية داخلية متمثلة برفض الحريري منح الثلث المعطل لأيّ فريق، كما أن الدول الخارجية لا تقوم بالضغط اللّازم لحلحلة الأمور. والحريري نفسه ينتظر إشارات عربية ومسحة رضى سعودية لم تأتِ بعد وربما لن تأتي قريبًا ما لم يتم التوصل إلى تسوية ما إقليميًا ودوليًا.
في الأجواء الدولية برزت المواقف الأوروبية دفعًا باتجاه تشكيل حكومة تحت طائلة تغيير التعاطي الأوروبي مع لبنان في الأسابيع المقبلة، كما قال رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، وما يلمّح إليه الإعلام الأوروبي حول عقوبات أوروبية على من يتحملون مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة اللّبنانية.
التهديد الفرنسي
وفي تصريح يحمل تهديدًا مستترًا للمعرقلين ويحث المسؤولين للتلاقي وتحريك ملف التأليف، اتّهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسؤولين اللّبنانيين بالفشل في تحمّل مسؤولياتهم، وأنّ “وقت اختبار المسؤولية يقترب من الانتهاء وسنحتاج في الأسابيع المقبلة، بوضوح شديد، إلى تغيير مقاربتنا ونهجنا”، من دون أن يوضح أكثر. مضيفًا أنّه “لا يمكننا ترك الشعب اللّبناني في الوضع الذي هو فيه، ويجب علينا بذل قصارى جهدنا لتجنّب انهيار البلد وتسريع تأليف حكومة وتنفيذ الإصلاحات الضرورية”.
لكنّ التهديد الفرنسي لن يغيّر من واقع الحال شيئًا لأنّ المعضلة السياسية في لبنان تحكمها تقاطعات كثيرة، ولعلّ كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أوضح الصورة الكاملة في خطابه أمس. فالهوية السياسية وبنية النظام.
ذهب السيد نصر الله إلى حدود الدعوة إلى “سدّ ثغرات في نظامنا السياسي”، بالإضافة إلى اقتراحه المتمثل بالدعوة إلى حلول دستورية وطنية دقيقة تراعي التوازنات الدقيقة في موضوع الصلاحيات بمسألة التكليف والتأليف. وهذه القضية ستكون مثار جدل سياسي ودستوري وستجعل خصوم حزب الله يستثمرونها في اتهامه بالانقلاب على النظام.
حزب الله يدعم أي حكومة بمجرد أن يتوافق عليها الرئيسان
هذه الإشارة الهامة بحسب مصادر مطلعة، تظهر الخلل الفعلي الذي يدخل لبنان في أزمة التشكيل في كلّ مرّة ويسقطه بين تعطيل المؤسسات والفراغ الدستوري. وهي مسألة معقدة وتحتاج إلى مناخ وطني جامع للنظر في تعديلها في المستقبل. وترى المصادر أنّه في هذه الأيام العصيبة لا داعي لإثارتها لأنها ستخلق المزيد من التوترات غير المحمودة.
لكن السيد نصر الله ورغم إشارته “النظامية” والبنيوية، أكد على الوقوف مع المبادرة الفرنسية ودعم أي حكومة مهما كان شكلها بمجرد أن يتوافق عليها الرئيسان. وعلى طريقة “اللّهم اشهد أنّي بلغت”، اعتبر أن حكومة الاختصاصيين.. وإن تألّفت سوف لن تصمد ولن تتخذ قرارات جريئة… “ما رح تشيل الزير من البير”.
بهذا المعنى فإنّ استعصاء الحلول الداخلية لا تقل أهمية عن التعقيدات الخارجية، التي ينتظر تفكيكها بعض أطراف الداخل، لذا فإنّ إمكانية أن يؤدي لقاء الإثنين إلى إحداث خرق سياسي ليس متوقعًا كثيرًا.
والأيّام الفاصلة بين “يانصيب الحكومة” الخميس والاثنين ستكون فرصةً أمام مدير عام الأمن العام اللّواء عباس ابراهيم لاستكمال جولاته المكوكية بين المرجعيّات المعنيّة بالتأليف وقد تقوده جولاته إلى باريس، تمهيدًا لليونة تُساعد على ولادة الحكومة.
اللّيونة، التي يصر على استخدامها ابراهيم بدل التنازل، هي المرونة في عدد الوزراء، مع التوصّل إلى حلول وسطى بشأن الشروط الأخرى التي حدّدها رئيس الجمهوريّة، في مقابل نيل حكومة الحريري ثقةً واسعة في المجلس النيابي.
وبالتوازي مع الاتصالات السياسيّة ثمّة جهود هدفها وقف التحرّكات في الشارع وعدم قطع الطرقات، بالإضافة إلى إجراءات خفض سعر الدولار، بدأت مع إعلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي “يعرف كيف يلجم سوق المال” وفق ما قال السيّد حسن نصر الله، لرئيس الجمهورية أن المصرف المركزي قرّر إطلاق العمل بالمنصة الالكترونية العائدة له بحيث يتمّ تسجيل كل العمليات وتصبح هي المرجع الأساسي للسعر الحقيقي للسوق. عش لترى أيها اللّبناني.
رانيا برو