تكشف خريطة التحرّكات وقطع الطرقات في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، أنّ حزب القوّات اللبنانيّة يضّطلعُ بدورٍ رئيسيّ في حشدِ الناس في الشوارع ومفارق الطرق في المناطق المسيحية. وهذا ما كشفته وجوه الأشخاص التي ظهرت على شاشات التلفزة ومواقع التواصل_ أو ممّن تسنّى له المشاهدة عن قرب، وطريقة انتشارهم والأسلوب المتّبع مع المارّة والتعامل مع القوى الأمنية والجيش؛ بالإضافة إلى الشعارات السياسيّة التي أُطلِقت، كلّ ذلك يدلُ بوضوح على هوية “القوات” ومعه حزب الكتائب. هذه الخُلاصة خرجت بها أوساط التيار الوطني الحر، والتي اتهمت رئيس القوات سمير جعجع بتنّفيذ مخطط انقلاب على العهد لإسقاطه في الشارع مُسّتغلاً مُسلّسل الإنهيار الاقتصادي والمالي والانفجار الاجتماعي.
فهلّ بدأ جعجع بالخطوة الأولى في مسار معركة رئاسة الجمهوريّة المقبلة؟
“التيار”: جعّجع بدأ التخّطيط مُنذ اتفاق معراب
أوساط التيار الحُرّ تشير لـ”أحوال” إلى أنّ “جعجع بدأ التخطيط لهذا الهدف منذُ اتفاق معراب الذي كان يهدف لإيصال عون إلى رئاسة الجمهورية ووضعه في مواجهة الإنهيار الذي كان الجميع يُدرِك بمن فيهم القوات أنه آتٍ لا مُحال. فإضعاف عون وإسقاطه يؤدي إلى إضعاف خصمه اللدود التيار الوطني الحر في الساحة المسيحية والوطنية”.
وانتهج جعجع مؤخراً بحسب الأوساط التصويب غير المباشر من خلال التلطي خلف “الثورة” واستغلال الإحتجاجات المطلبيّة وتردي الأوضاع الماليّة والاقتصاديّة لتفجير الشارع في وجه عون. فجعجع مسكونٌ بهاجس رئيس التيار جبران باسيل المنافس الحقيقي له في معركة الرئاسة. لذلك بدأ الإعداد لهذه المعركة المقبلة بعد عامٍ ونيف. والقوات تسّتغل العلاقات المُتردّية بين العهد والتيار من جهة وبين مختلف القوى السياسيّة من جهة أخرى، كالمستقبل وحركة أمل والإشتراكي والكتائب. كما تسّتغل المقاطعة الدولية والعربية للعهد والعقوبات الأميركية على باسيل، للعمل لمزيد من حصار وإضعاف التيار. وتسّتند أوساط التيار بكلامها إلى تسريبات النائب السابق وليد جنبلاط الذي اتهم جعجع بإدارة التحرك في الشارع من على “تلة معراب” وتهديد الأمن ونشر الفوضى.
التوتر الأمني في الشارع زاد التوتر السياسي
التوتر الأمني على الأرض انعكس توتراً سياسياً على جبهتي معراب – وميرنا الشلوحي. فالقوات اللبنانية ردت على اتهامات العونيين بالتأكيد أن “محاولة إلصاق إقفال الطرقات وما استتبعها بـ”القوات” هي محاولة مكشوفة للهروب من واقع وجود ثورة وأزمة مالية سببهما الفريق المتسلِّط على رقاب اللبنانيين”.
رد القوات استدعى رداً من التيار أسف خلاله “لتمرّس القوات أكثر فأكثر في الكذب والنفاق السياسي، من خلال إصرارها على رمينا بما ارتكبه أزلامها، وهو ما دأبت عليه طوال الأعوام الماضية من افتراءات وإشاعات وأضاليل”.
الرئيس عون بحسب أوساط مطلعة باقٍ على موقفه، ويُدرِك أن جعجع لم يكن صديقاً أو حليفاً ليومٍ واحد، وحتى خلال اتفاق معراب الذي شكّل نقطة تقاطع مصالح بين الخصمين اللدودين، سيّما بعد ترشيح الرئيس سعد الحريري لرئيس المردة سليمان فرنجية. وكان يدرك “الجنرال” أنّ انقلاب “الحكيم” لن يطول وأن معركة الرئاسة ستتجدد مع نهاية العهد الرئاسي الحالي. لكنه حاول عبر قيادته للبلاد عبر رئاسة الجمهورية تغيير الموازين وإنقاذ لبنان، لكن الظروف الإقليمية والدولية والمحلّية سارت بما لا يشتهي. وكلما اقترب موعد الإستحقاق، كلما ازداد الصراع سخونة بين التيار والقوات. فعون وباسيل يحضران للمواجهة المقبلة ولن يستسلما للضغوط القواتية التي تتلاقى وتتقاطع مع الضغوط الخارجية.
وهنا يمكن إدراج تمسك عون بشروطه لتأليف الحكومة لاعتباره أن الفراغ الرئاسي قادم حتماً في ظل استحالة الاتفاق بين القوى السياسية على رئيس جديد. لذلك يسعى التيار إلى تعزيز نفوذه في الحكومة التي سترِث صلاحيات الرئيس إذا طال أمد الفراغ.
من جهته، يستخدم جعجع كافة الأوراق المشروعة وغير المشروعة ويستخدم الحضور القواتي في المناطق المسيحية لإشعال التظاهرات في وجه العهد. وبالتالي إسقاط عون في قلب القلعة المسيحية وفي عرينه جبل لبنان ما يجعله مرشحاً وحيداً للرئاسة أو من ينوبُ عنه، تردد أنها زوجته النائب ستريدا جعجع.
وتكشف مصادر مطلعة لـ”موقعنا” أنّ جعجع حاول إقناع جنبلاط والمستقبل بمشروعه للتخلّص من عون وإقصاء باسيل كمنافس رئيسي له من لائحة المرشحين؛ وذلك عبر إشعال الشارع احتجاجاً على الأوضاع المعيشية ثم الإستقالة من مجلس النواب للضغط على عون للإستقالة، إلا أن جنبلاط رفض ذلك وهذا ما يفسر موقفه الأخير المُسرّب من لقاءٍ داخلي.
جبور: التيار في اشتباك مع الجميع
مسؤول جهاز التواصل والإعلام في القوات اللبنانية شارل جبور يوضح لـ”أحوال” أنّ “القوات لا تعتبر أننا في اشتباك مع التيار الوطني الحر والعهد لأنهما في اشتباك مع جميع اللبنانيين ومن ضمنهم القوات”. مضيفاً، القوات جزء من اللبنانييّن الذين يشتبك معهم التيار، وبالتالي لا نضعها في اشتباك ثنائي؛ بل أن السياسات التي اتبعها العهد منذ السنوات الأولى للعهد أوصلت لبنان إلى الإنهيار والشعب إلى الثورة ولبنان إلى العزلة. وبالتالي هم في عملية إشتباكية مع الناس المنتفضة والفقيرة والجائعة ومع العالم الخارجي”.
أما بالنسبة للإستحقاق الإنتخابي الرئاسي، فيرى جبور أن “هذا الأمر غير مطروح بالنسبة للقوات في الوقت الراهن؛ بل المطروح اليوم كيفية إنقاذ لبنان من مسلسل الإنهيار واللبنانييّن من المجاعة، ومن يُفكر بالإستحاق الرئاسي هو التيار منذ وصول عون إلى قصر بعبدا من أجل أن يخلفه جبران باسيل. ومن هذا المنطلق نعمل على إعادة إنتاج سلطة عبر انتخابات نيابية مبكرة”.
محمّد حميّة