منوعات

الموظّفون والشركات في زورق واحد: “تأقلموا مع الأزمة”

بعد عام ونصف من بدء تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، يبدو أنّ الأجواء “السوداوية” اقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً سترافقنا لما لا يقل عن 3 سنوات، وقد تزداد سوءًا في المدى المنظور.

فمنذ تفجّر الأزمة المالية والنقدية في العام 2019، والتي أدّت بدورها إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، وما رافقها من ارتفاع في نسب البطالة والفقر، تستمر المؤسسات والشركات اللبنانية بالإقفال، ويزداد بالتالي الوضع تشاؤمًا وسط الفراغ الحكومي المعطّل لأي محاولة لإصلاح الوضع الراهن.

أمّا المؤسسات التجارية التي لا تزال صامدة، فحمّلت موظفيها عبء الخسائر، حيث صرف بعضها عددًا كبيرًا من الموظفين دون أي تعويضات أو حقوق، فيما حرم البعض الآخر موظفيه من مستحقاتهم، مخفضًا من رواتبهم أو محّملًا الموظف الواحد أكثر من مسؤولية لتخفيف عبء توظيف شخص آخر.

وفي هذا السياق، يقول صاحب إحدى شركات التصدير والاستيراد، في حديث لـ”أحوال”، إنّ وضع الشركات اللبنانية أصبح على المحك، “ونحن على شفير الافلاس، إذ أن شركتنا لم تشهد في تاريخها أزمة أصعب من التي يمر بها لبنان اليوم”، مضيفًا: “تكبّدنا خسائر بملايين الدولارات جرّاء الأزمة المالية، حيث تمّ الحجز على أموالنا في المصارف الأمر الذي عقّد عملية دفع رواتب الموظفين ومستحقّات الجهات التي نعمل معها، كما أن تدابير الإغلاق العام لمنع انتشار فيروس كورونا، عرقلت وأبطأت عملنا، لا بل أوقفته في بعض الأحيان، ما صعّب عملية الاستيراد والتصدير وتحويل الأموال”. ويلفت في المقابل إلى أن الأسواق الخارجية لم تعد تثق بالمستوردين والتجار اللبنانيين، حيث عمد بعضها إلى فكّ العقود وإيقاف العمل كليًا مع أي شركة لبنانية.

من جهة أخرى، يؤكد صاحب إحدى شركات التصدير والاستيراد لموقعنا أنّ الأزمة قاسية على صاحب العمل كما على الموظفين، “فنحن وهم في زورق واحد، نحاول كل ما بوسعنا لتجنّب الغرق، لذا على الموظفين أن يعوا أنه لم يعد باستطاعتهم أن يعيشوا نفس نمط الحياة السابقة، وعليهم أن يتأقلموا مع الوضع الاستثنائي الجديد الذي طرأ على البلد”، بحسب قوله.

بدوره، يرفع موظف إحدى الشركات الصوت، ويقول في حديث لـ”أحوال” إنّ “وضع الموظّف أصبح تعيسًا للغاية، في ظلّ غلاء الأسعار والتضخّم المالي الذي وصل إلى نسبة 500%، فيما الرواتب والأجور بقيت على حالها”، محملًا المسؤولية للدولة اللبنانية “التي فشلت في تأمين الحدّ الأدنى من مقومات الحياة والصمود للشعب، فحتى الكهرباء أو المياه والاتصالات غير مؤمّنة، ما يكّبد الشعب مصاريف مضاعفة”، بحسب تعبيره، ويضيف: “أما الإقفال بسبب جائحة كورونا، فقد أدّى إلى توقّف عملنا لأشهر، كما تمّ صرف العديد من الموظفين، فيما تقاضلى القسم الآخر نصف راتب”.

من هنا، يتابع في حديثه لموقعنا: “لم تعد رواتبنا تكفي حتى لدفع المستحقات الأساسية، من إيجار وكهرباء واشتراك ومياه ومحروقات وغير ذلك، كما أننا حرمنا أولادنا من سلع عديدة وسط بدء رفع الدعم، فكيف بنا أن نؤمّن قوتنا اليومي؟”، مشيرًا إلى أن الموظف أصبح مضطرًا على الاستمرار في وظيفته حتى ولو كانت حقوقه مهدورة، بهدف تسديد الحدّ الأدنى من مصاريف أسرته، وإلا مات وعائلته من الجوع والحرمان، خصوصًا في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى الـ10 آلاف ليرة لبنانية، وكذلك ارتفاع أسعار السلع الأساسية من محروقات وأدوية وطحين، ما منع العديد من اللبنانيين من تأمين الدواء أو حتى ربطة الخبز أو دفع تعرفة السيرفيس وغيرها من المصاريف، ليختم حديثه لموقعنا بالقول: “لم نشعر يومًا بالخوف من الغد كما نشعر اليوم”.

إذن، الأزمة أصبحت قاسية على رب العمل والموظف في آن، فبينما يحاول الأول الصمود في وجه عاصفة الإفلاس، يسعى الثاني إلى المحافظة على وظيفته في زمن أصبح من الصعب فيه الحصول على وظيفة لتأمين أبسط مستلزمات العيش الكريم. وبين وضع الأول والثاني، حقوق مهدورة ضائعة، وسط “لامبالاة” المعنيين بوضع البلد وشعبه.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى