لا يبدو أنّ أزمة تأليف الحكومة تتجه نحو خواتيم سعيدة. فمسَارِب الحلول جميعها مقّفلة؛ والأمر بات يتعدى العِقد الحكومية المعروفة إلى أزمة سياسيّة مُشرّعة الأبواب على كافة الإحتمالات.
السعودية ترّبط تسهيل الحكومة بضمانات أمنية من إيران وحزب الله
عواملٌ داخليّة وإقليميّة ودوليّة مؤثِّرة على مسار التأليف. فالرئيس المكلّف سعد الحريري بحسب مصادر مطلعة لـ”أحوال” لا يزال يرمي المناورة تلوّ الأخرى لتبرير التأخير بتأليف الحكومة. فهو ينّتظر وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان ليُحدّد له موعداً للقائه فيما الأخير مُنّشغِل حتى أُذُنيّه بحال الممّلكة الصعب والإستثّنائي؛ فيما تُحيطُ به المشاكل منّ كُلّ جانبٍ:
- عملية التوريث غير المحسومة في ظل الحالة الصحية الحرجة لوالده الملك سلمان.
- تحوّل الموقف الأميركي من المملكة في ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد.
- مأزق الحرب السعودية على اليمن، وإعادة تحريك ملف اغتيال جمال الخاشقّجي.
فلا يتّسِع جدول مواعيد “الوليّ” نصف ساعة للحريري؛ فيما الأخير يُحاذِر الإقدام على أي دّعسة سياسية ناقصة تُكلّفه المزيد من الخسائر قبل التأكد من رضى المملكة عليه وعلى حكومته. إلا أن المملكة ترّفُض تسهيل تأليف حكومة لبنان قبل انتزاع ضمانات من إيران وحزب الله تتعلّق بالأمن السعودي من الجهة اليمنية. فتربُط الملف اللبناني بملف اليمن، فيما الموقف الأميركي لايزال غامضاً ومتشظّياً بين وجهة النظر الفرنسية التي تنظر لفصل الصراع مع حزب الله عن الملف المالي والاقتصادي في لبنان، وبين الرؤية “الإسرائيلية” المتقاربة مع السياسة السعودية والتي تُفضّل إبقاء لبنان ساحة اشتعال ومنصة للضغط وتبادل الرسائل.
الصراع إلى ما بعد عهد عون
في خضم هذه المعادلة الإقليمية تبّرز أحد وجوه الأزمة الداخلية المتمثّلة بالصراع بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري وما بينهما الرئيس نبيه بري والقوات والكتائب ورئيس الإشتراكي وليد جنبلاط، ليس على الحكومة فحسب، بل على المرحلة المقّبِلة أي ما بعدَ نهاية العهد الحالي.
فرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بدأ عملية البحث والتمهيد لخيار بديل عن الحريري لرئاسة الحكومة؛ عبر التسويق لنائبٍ بيروتي قيل إنه فؤاد مخزومي، لكنه قوبِل بالرفض من حزب الله وحركة أمل وجنبلاط.
فالتيار بحسب مصادر لـ”أحوال” لمّ يعُدّ يسّتطيع التساكُن مع “الحريرية” التي يُحمّلها مسؤولية الإنهيارات الماليّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والنقديّة ولم يعدّ يرَ به رجل الإصلاح ومكافحة الفساد، فيما جوهر الصراع بات التدقيق الجنائي. فالتيار العوني يتّهم الحريري وبري وجنبلاط بمحاولة إسقاط العهد في الشارع وبضربة الدولار للإطاحة بمشروع التدقيق وحماية الحاكم رياض سلامة الأداة المالية والنقدية العملية للمنظومة السياسية الفاسدة بحسب التيار.
استقالة عون مشروعٌ جديّ أم للضغط السياسي؟
في مجالس الرباعي الحريري – بري – جنبلاط – القوات يُطرح التساؤل التالي: هل “محرزة” تأليف حكومة في عهد عون الذي تبقى منه سنة ونصف؟ واستطراداً هل يُمكن للبلد أن يحّتمل هذه المُدة بلا حكومة؟ فخيار دفع عون للإستقالة وانتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة جديدة خيار منتج بحسب هؤلاء.
في المُقابل يرفض الرئيس عون بحسب المطلعين على موقفه لـ”أحوال” خيار الإستقالة كلياً، ويعتبر أنّه مُستهدف من قبل المتآمرين على الاقتصاد والنقد الوطني ما يدفعه للتمسك أكثر بمنصبه ويضع الحريري بين خياريّن: تأليف الحكومة وفق معايير واضحة أو الإعتذار. مقابل ذلك يضع تيار المستقبل سراً معادلة سياسية عبّر عنها جاهراً النائب نهاد المشنوق أمس بقوله “اعتذار الحريري مقابل استقالة الرئيس عون”. ما يعني أن الحريري ليس بوارد الإعتذار مهما كان الثمن ولو بقي مُكلفاً حتى نهاية العهد الرئاسي وبالتالي الأزمة باقية وتتمدّد ولا أُفق مفتوح لها.
بمعزلٍ عن التقييم السياسي للعهد الحالي، لكن استقالة الرئيس خطوة في المجهول، وتُرتّب فراغاً طويلأً في الرئاسة الأولى لعجزِ القوى السياسية على الاتفاق على البديل فضلاً عن أن الميثاقية يُمكِنها تعطيل إلتئام المجلس النيابي لانتخاب رئيس أو لأي أمر دستوري آخر. ما يعني تعميم الفراغ السياسي على مستوى الدولة برمتها، سيّما وأننا أمام حكومة تصريف أعمال هدّد رئيسها بالإعتكاف. فضلاً عن أن خيار استقالة القوات والإشتراكي والمستقبل من المجلس النيابي خيارٌ وارد في أي لحظة يَشّعر هؤلاء بظروفٍ إقليمية –دولية تُغطّي خطوتهم.
بقرادوني: لا إمكانات دستورية لاستقالة عون
الوزير السابق والمحامي كريم بقرادوني يُشير لـ”أحوال” إلى أن “ما جاهر به المشنوق بالفم الملآن تطرحه أحزاب القوات والكتائب والإشتراكي وغيرهم في مجالسهم الخاصة. فاستحقاق تكليف وتأليف الحكومة منفصل عن استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية والربط بينهما يعني معالجة الفراغ بالفراغ. والمطلوب الذهاب فوراً إلى تأليف حكومة جديدة وتطبيق المبادرة الفرنسية وإنجاز الإصلاحات المطلوبة”.
ويضيف بقرادوني: “لم أسمع منذ الـ1943 باستقالة رئيس الجمهورية باستثناء استقالة الرئيس بشارة الخوري بعد التجديد له رضوخاً لقوى المعارضة لخيار التمديد”. ويضع بقرادوني التلويح بهذا الأمر في إطار الضغط على عون لإضعافه وحشره. لكن الجميع يعلم بألا إمكانية دستورية وسياسية لذلك. فالفراغ في الرئاسة الأولى بحسب بقرادوني يعني سقوط الدولة وأخذ البلد إلى الفراغ والفوضى الكبيرة ويُجمِّد كل المساعدات الخارجية للبنان. ويجزم بقرادوني بأن “عون لن يستقيل ولن يتنازل أكثر من الموافقة على طرح اللواء عباس ابراهيم ولو بقي الحريري مكلفاً لوقت طويل”.
محمّد حميّة