منوعات

اللّاجئون العراقيون في لبنان: زيارة البابا متأخرة

إنجازٌ لا يرقى إلى مستوى خشبة الخلاص

بعد عشرين سنة من انتظار مسيحيي العراق لبابا الفاتيكان، وفى البابا فرنسيس بالوعد رغم استمرار تبعات تفشَي وباء كورونا ووسط التصعيد الأمني في العراق، علمًا أنّ البابا السابق يوحنا بولس الثاني كان على وشك زيارة العراق لكنّ الزيارة ألغيت عام 2000، بعد انهيار المحادثات مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

وتحمل الزيارة البابوية (5 آذار إلى 8 آذار) رسالة تضامن مع الأقليات (المسيحيين والإزيديين) ورسالة مصالحة بين الطوائف في العراق. وهذا ما يظهر في منشور الزيارة الذي اعتلاه شعار “أنتم جميعًا إخوة”، باللغات العربية والكلدانية (الآرمية) والكردية، تعبيرًا عن التعدّدية والتنوّع القومي والديني في بلاد الرافدين.

في اليوم الختامي، دعا البابا فرنسيس من مدينة الموصل بشمال العراق المسيحيين العراقيين إلى العودة لمدينة الموصل والقيام بدورهم الحيوي. وأشار أنّ التناقص مأساوي في أعداد تلاميذ المسيح في العراق وفي الشرق الأوسط، قائلًا: “إن الرجاء أقوى من الموت، والسلام أقوى من الحرب”، هل يلبي مسيحيو العراق نداء البابا؟.

يرى اللّاجئون العراقيون في لبنان في الزيارة خطوة معنوية وتاريخية إلّا أنّها لم ترقَ إلى مستوى “خشبة الخلاص”، فهي وإن بثّت الطمأنينة في قلوم العراقيين المنتشرين إلّا أنّها جاءت متأخرة سنوات طويلة بعد ما شهده أهالي البلد من تفريغ بلدهم من مسيحييه الذين تصاعدت هجرتهم منذ عام 2003، حتى بلغت الذروة وتحوّلت إلى هجرة جماعية مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014.

وفي الأرقام فقد راح 1,140 مسيحيًا ضحيةً لموجات العنف الطائفية منذ عام 2015، كما جرى هدم أو تفجير 98 ديرًا وكنيسة ومزارًا للمسيحيين. ونزح نحو 400 ألف مسيحي إلى كردستان، بينهم 138 ألفًا من الموصل وسهل نينوى.

وبحسب آخر احصاء، من أصل 1.8 مليون مسيحي في العراق وإقليم كرستان، لم يبقَ عام 2019 غير 300 ألف، حيث هاجر 1.5 مليون مسيحي إلى أوروبا وأمريكا والدول المجاورة للعراق. والتهجير لم ينتهِ وذلك ما أكّده تقرير لصحيفة ديلي تلغراف البريطانية سنة 2019 أنّ محافظة نينوى في شمال العراق لا زالت تشهد محاولات تطهيرعرقي واضطهاد للمسيحيين.

تتوزع 14 طائفة مسيحية في العراق وأعداد اليوم على الشكل التالي: 80% من الكلدان، 10% السريان (الكاثوليكية/ الأرثوذكسية)، 5% الآشوريون، 3% الأرمن، 2% جماعات أصغر(يونانية أرثوذكسية، أرثوذكسية  قبطية، روم الكاثوليك) فضلًا عن عدد صغير من البروتستانت.

 

“الزيارة ضخّت دمًّا في أوردة متجمّدة”

يرى ميلاد جوهر سلومي(كلداني – عراقي) وهو صاحب صفحة أخبار اللّاجئين العراقيين في لبنان على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ زيارة البابا الآن في العراق ضخّت الدمّ في أوردة متجمدة وحقنت فيها المحبّة والسلام، وليس فقط للمسيحيين بل لجميع الطوائف في العراق. لأنها أوّل زيارة لشخصية ومقام بأهمية البابا من الناحية السياسية، الدينية، الروحية والمعنوية كونه رأس الكنيسة الكاثوليكية.

لقد جاء البابا فرنسيس إلى العراق في رحلة حجّ كما قال وهذا يعني لأبناء العراق كثيرًا ويعيد انتماءهم وغيرتهم على أرضهم المقدّسة، ممّا أعطى معنى وجوهر للقاء الأديان في أور الأثرية في جنوب العراق إذ لم ينجذب أحد لهذه المنطقة قطّ ولم تعطَ من قبل هذا المقدار من الأهمية والقدسية كما شهدنا في اللّقاء.

ويشير سلومي :” لو كانت زيارة البابا حصلت في الماضي لكانت عزّزت ثقة المسيحيين أكثر  إذ أنّ الوجود المسيحي آن ذاك كان حاضرًا سياسيًا بعض الشيء”، مضيفًا: “من المؤكد أن استقبال البابا كان سيلقى حشودًا كبيرة من المسيحيين (قبل موجات التهجير). ربما تكون زيارة البابا في هذه الآونة باعثة للأمل ولكن لا تعيد الثقة لنا في العراق بعد كلّ الذي حصل معنا”.

“المسيحيون كانوا بحاجة لزيارة البابا قبل 20 سنة”

أمّا هيمان مسكوني (سريان كاثوليك-عراقي) وهو المسؤول القانوني للّاجئين العراقيين في لبنان يقول: “لقد تهجرنا قصرًا من العراق سنة 2015. وأعتبر زيارة البابا متأخرة، نعلم أنّ ظرف البلاد لم يكن يتحمّل زيارة بهذا الحجم والوضع الأمني لم يكن مؤاتيًا، ولكن نحن كمسيحيين كنّا بحاجة لزيارة البابا قبل عشرين سنة. الاضطهاد كان موجودًا، كان هناك خوف واحتقان طائفي فقد كنّا بحاجة لدعمه. وبعدها بدأت عمليات القتل، اضطُهدنا وتمّ تفريغ الموصل. صحيح، أنّ هذه الزيارة تحمل الكثير من الإيمان والرجاء ونحن نقدّرها، يمكنها أن تعطي قوة صمود وأمل لمن بقى في العراق ولكن لمن تهجّر لا يوجد أمل لا شيء سيتغيّر. تهجّرنا وجئنا إلى لبنان، كنّا أعدادًا كبيرة من العائلات العراقية المسيحية المهجّرة، سافر معظمنا في الـ2017 و الـ 2019 أمّا العائلات الباقية اليوم تقدّر ب 1000 عائلة فقط وهي على أمل السفر”.

 

“الزيارة إنجازٌ نُسب لمن هجّرنا”

ويوضح صاحب صفحة اللّاجئين العراقيين في لبنان على مواقع التواصل الإجتماعي الذي فضّل أن يبقى اسمه غير معروف لأنّ الخوف باق وهو من طُرد من بلده تحت تهديد مباشر من الميليشيات و لجأ إلى لبنان يقول: “إن زيارة البابا إنجاز تاريخي رائع ولكنّه نُسِب للأشخاص اللّذين هجرونا”.

ويشير إلى أنّ “الأمان مفقود في العراق وهناك خوف كبير بأن تتوقف أوراق سفر اللّاجئين ونرجع للعراق بحجّة الاستقرار والوضع الجديد وخاصة لمسيحي العراقي”.

مئات القصص تروى عن فظاعة تهجير العراقيين من بلادهم، اللّذين ذاقوا تمييزًا واضطهادًا لن ينسوه أبدًا. مع أن، زيارة الحبر الأعظم قد لفتت النظرعلى بلد مدفون، وشعب عاش سنوات طويلة من الوجع، التهجير والموت. قد تكون هذه فرصة أساسية برؤية جديدة للعراق من خلال إعادة أهميته بين البلدان العربية والمجتمع الدولي بمحاولة خلق حياة.

وبالأخصّ، ما حملته زيارة البابا للسيد علي السيستاني (المرجعية الشيعية الأهم في النجف) من معان حول وحدة الأديان والحوار بعيدًا عن تعميم صفة الإرهاب السائدة تجاه المسلمين في الغرب. لأن رأس الكنيسة الكاثوليكية والمرجعية الشيعية الأهم في العالم في لقاء “أخوة انسانية” مع باقي الطوائف.

بعد عشرين سنة من انتظار حماية، يفضل اللاجئون المسيحيون العراقيون بلدًا غريبًا يستقبلهم أو بلدًا مؤقت يرعاهم وفكرة الرجوع تبقى مستحيلة  حتى إشعارٍ آخر!.

 

ماري لو بيضون

ماري لو بيضون

صحافيّة وناشطة نسويّة حائزة إجازة في فنون التّواصل والصّحافة من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى