علاقة حزب الله وبكركي: لا طلاق ولا اتفاق
الحزب لن يسمح للمتلطّين خلف البطريرك بجر البلاد إلى انقسام والموقف من التدويل محسوم
مع خطاب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمام الحشود المؤيدة لدعوته إلى “مؤتمر دوليّ برعاية الأمم المتحدة” والشعارات المرفوعة من المتضامنين، يمكن استقراء أنّ الطرح، الذي حملت لوائه بعض الفرق السياسية، ليس مجرّد مسعى لمساعدة لبنان بعد الاصطدام بحائط مسدود داخليًا. فقد كشف المشاركون في المسيرة إلى الصرح البطريركي أن مطلب “التدويل” يمثّل رغبة عميقة لا جدال فيها وهي التخلّص من سلاح حزب الله، وليس حلّ للأزمة السياسية.
السلاح والمقاومة، هما ما استدعيا التجمعات الجماهيرية في زمن الحجر والإقفال العام التام وعلى الرغم من خطورة التجمعات من تفشي وباء كورونا، ومن دون إذن المنصة خرجت الحشود “العفوية” من المحايدين لإحياء حملة استهداف حزب الله.
التظاهرة التي نظمتها القوّات اللبنانية بصفة غير رسمية ومعها تفرّعات قوى 14 آذار وما تبقى منها وبعض مجموعات الحراك، خرجت عن السياق المُعلن لدعوات البطريرك لحلّ أزمة تشكيل الحكومة والالتفات إلى هموم الناس المعيشية وتحوّلت إلى مناسبة لقذف وذم الحزب وسلاحه.. وإيران.
استدعاء انتداب واحتلال دوليين لتحرير البلد من احتلال وهمي وغير موجود، هذا الأمر الذي يستدعي القلق، بحسب مصادر مطّلعة، ترى أن ثمّة فريق ممّا تبقى من 14 آذار يستنسخ ماضيه ويتبنى شعارات لمشاريع وخطط دولية معادية للمقاومة وللسلاح. ويُسخّر سلاحه الطائفي لخلق “مشكل” في البلد”.
حزب الله وبكركي، بكركي وحزب الله…المكوّنان اللّبنانيان اللّذان يشغلان حيّزًا كبيرًا من المشهد اللّبناني، أضحا في غمرة المواقف السياسية هما العنوان والخبر وقلب التصريحات والبرامج السياسية.
ينجرف اللّبنانيون مع سيل المواقف السياسية ويبنون عليها الماضي والحاضر والمستقبل، حتى وهم في عز انهيارهم وعلى طريق فقدانهم كل مقومات العيش وتفكك مؤسسات الدولة.
بين الحياد والتدويل والسيادة الوطنية غرق اللّبنانيون في بحر التحليلات وسيل المواقف، أقاموا حروبًا وجبهات.
جبهات الردود التي فتحت للردّ على كلام الأمين العام كانت جميعها خارج السياق الذي قاله السيد نصر الله، الذي لم يتحدث عن الفصل السابع ولم يسمّ البطريرك الراعي كي يتم الرد عليه، وما جرى وقيل لا يفهم إلّا في إطار وضع حزب الله في مواجهة مع بكركي الأمر الذي يرفضه الحزب بالمطلق وليس بوارد لا التخطيط له ولا الدخول فيه. وترى المصادر المطّلعة أنّ الحزب مقتنع بشكل ثابت أنّ لبكركي مواقفها الخاصة كما للحزب وهذا لا جدال فيه، لكن الحزب يربأ أن تستخدم بكركي منصة لإطلاق النار على فرقاء آخرين سواء كان الحزب أو غيره.
بين محاكاة الراعي وخطابه الثائر ولاءاته، وغرائز الجماهير الهاتفة ضد إيران وحزب الله، وبين لافتات “لبنان أوّلًا وأخيرًا”، و”حياد – سيادة – استقرار”، و”بكركي لكل لبنان”، تمّ استثمار سبت بكركي بنجاح من قبل أحزاب ومجموعات يمينية في معركة العالم مع لبنان ومع المقاومة وسلاحها. وفي المسار ذاته، أعربت مصادر وزارية عن خشيتها من أن تقع بكركي في فخ السياسيين فتصبح طرفًا وليس مرجعًا وطنيًا.
حزب الله المراقب لكلّ ما يجري في لبنان والخارج، اتخذ قرار عدم الدخول في سجالات واشتباكات سياسية وإعلامية مع بكركي والبطريرك الراعي وتجنّب المواجهة. وكان قد ترجم هذا التوجّه السيد حسن نصر الله خلال خطابه الأخير الذي عبّر فيه صراحةً عن رفضه للتدويل وأخطاره دون ذكر بكركي ولا البطريرك لعدم رغبته في المساجلة أو المواجهة.
الحزب الذي لا يهوى لعبة المصادر الإعلامية ولا المواقف المواربة، أوصل الرسالة المناسبة إلى سيّد بكركي، بموقفه القاطع برفض التدويل أو استجلاب أي تدخل خارجي يستغله الأعداء في التدخل السياسي وحتى العسكري في لبنان. وركّز على أن مثل هذا الطلب السياسي قد ينتهي بتحقيق مصلحة دولية.
الراعي الذي عبّر برغم نبرة الخطاب العالية أنّه لا يريد جيوشًا ولا عسكرًا ولا احتلالًا، أوسع الطريق لـ”المتلطّين” خلفه لإطلاق النار على الحزب وهناك من بين هذه القوى من ترغب بالفعل بالوصاية الأميركية على لبنان وهي تعتبر نفسها في المعسكر الآخر”. الحزب يعرف هؤلاء جيدًا وكيف يحوّرون موقفه نحو البطريرك، فيما الحزب موقفه واضح منذ تاريخ وجوده، وهو ليس في وارد السجال معها سواء أيّدت التدويل او لم تؤيده، فموقفها معروف”.
وتستغرب المصادر أنّ فئات من اللّبنانيين لا يزالون يعيشون في عالم التسعينات والألفيتين، حين احتل الأميركي على المنطقة ولا يرون المتغيرات الداخلية والخارجية، التي تجعل من العودة للانقسام العامودي بين اللّبنانيين بين14 و8 آذار صارت مستحيلة. وأنّ اللّعب في الوقت الضائع وتضييع البوصلة لن يُغيّر من الواقع شيئًا سوى إضافة المزيد من التوتير بين القواعد الشعبية”.
التفسيرات المُتلاعب بها من الفرق المتناحرة على السلاح وفكرة المقاومة، لا تهزّ ثبات موقف الحزب بحسب مطّلعين من التزامه الشراكة بتفهّم هواجس بكركي واحترامها وتقدير دورها الوطني. ويقول هؤلاء أن “بكركي والبطريرك والمطارنة يعرفون موقف الحزب الثابت من كلّ ذلك وبالتالي هذه الحملة المتصاعدة لا تغيّر من الواقع شيئًا. وقد أُبلِغَت بكركي عبر أصدقاء مشتركين بهذه الثوابت والمواقف ونعتقد أنّ بكركي من موقعها الوطني تتقهّم ذلك”.
يميل حزب الله إلى تغليب خيار “الاحتواء” على خيار “المواجهة” ويستند موقفه إلى العناصر، فلا بدّ من التعاطي معه بدقّة متناهية بالنظر لدقّة الأوضاع وحساسية المسائل المطروحة في ظل وضع لبناني “قابل للانفجار” ووضع إقليمي انتقالي وغامض. وهو، بحسب مطّلعين، على استعداد دائم لمناقشة ملفات الداخل، داخليًا، ودائمًا حاضر لفتح قنوات تواصل وحوار مع بكركي بدءًا من إحياء اللّجنة المشتركة واستئناف أعمالها واجتماعاتها في الصرح البطريركي.
طرح التدويل، الذي يفتقر للمقوّمات وليس له أفق منظور، يستوجب توافقًا داخليًا وهو غير مؤمّن ولا يملك الاصطفاف الدولي المطلوب لعقده، لذا فإنّ الأزمة لن تُحل سوى بحوار داخلي.
ولنزع فتيل الانفجار لأزمة متدحرجة على كلّ المستويات يدير اللّواء عباس ابراهيم محرّكات التواصل للتركيز على نقطة الحوار الجامع بين كلّ القوى اللّبنانية.
رانيا برو